/ صحفة 122 /
انقطعوا في بقعة من الأرض بعيدة عن المدنية والحضارة، لا يكاد أحد منهم يتصل بأحد من أبناء الأمم الأخرى الا قليلا ممن كانوا يرحلون للتجارة رحلات محدودة، ولأن سادعتهم وكبراءهم إلى جانب ذلك كانوا يدركون ما سيجره عليهم انتصار الدعوة الإسلامية من شر، وما ستحدثه فيهم مبادئها من انقلاب يسوى بين السادة والعبيد، وبين الاقوياء والضعفاء، وبين المسلطين والمسخرين، ويقيدهم في مجتمعهم الذي كان طلقاً من كل قيد، الا من تقاليد بالية موروثة، بعضها حسن، وبعضها قبيح.
كل ذلك كان يوحى بأن القوم لا يمكن أن يذعنوا للدعوة الجديدة من قريب، ولا أن يتقبلوها بيسر فيفتحوا لها قلوبهم، ويوسعوا صدورهم، فلسنا مجازفين إذا قلنا: ان موقفهم من الإسلام كان مفهوما، وان كان منكرا، وكان طبيعيا في بيئة مثل بيئتهم، لان الناس أعداء ما يجهلون، أصدقاء ما يألفون، أشحاء بما يملكون.
ما أفادته الدعوة من هذا النضال:
ولا ينبغي أن يفهم أن هذه المرحلة من مراحل الدعوة الإسلامية قد طالت أكثر مما يجب، أو أن الجهود فيها قد ذهبت ضياعا، فان الصبر والمثابرة، هما أعظم سلاح يشهر في وجه المكابرة، ولابد ان يوطن المصلحون أنفسهم على أن يسيوا أول خطواتهم في بطء وتثاقل، حتى ليخيل للناس أحيانا أنهم واقفون، ولابد لهم من أن ينظروا إلى الزمن نظرة فيها كثير من التسامح، فانهم يجرون من خلفهم أجيالا وأزمانا متطاولة مثقلة بالتقاليد العتيقة، والأخطاء المركبة المتراكمة. وقد أفادت الدعوة الإسلامية من هذا البطء ـ ومن أراد الدقة في التعبير فليقل أفادت من الأناة والصبر ـ فقد تجلت مثل من البطولة والثبات على المبدأ، والعزوف عن المغريات والمعوقات في سبيله من ألوان الرغبة أو الرهبة، وشهدت هذه البيئة المتخلفة الا في نواحي الشر والفساد، نوعا من السمو الإنساني لم تكن تعرفه، وأصبحت أنباؤها، وأنباء الدعوة المنبثقة