/ صحفة 123 /
فيها، وأنباء نضالها وكفاحها، وتعثرها حينا، وانطلاقها حينا وهذا العذاب الذي يعذبه أصحابها وحملة لوائها ـ أصبح كل ذلك زادا جديدا من الأخبار، يصل إلى البلاد التي لم تكن تسمع من قبل الا أخبار الثأر والفتك، والسلب والنهب، والحروب الهجمية، والنزوات البهيمية، والعصبيات القبلية.
الأمل في التعاون مع اليهود باعتبارهم (أهل الكتاب):
كانت أخبار هذا النضال بين التوحيد والوثنية، وبين التحرير والعبودية، وبين الأخذ بيد الإنسان إلى ما ينبغي له من سمو وكمال بالمعرفة والبر والعمل الصالح، وما تريده عليه التقاليد الفاسدة الموروثة من البقاء في ظلمات الجهل والخمول واستغلال الأقوياء والمسلطين ـ كانت أخبار هذا النضال تسرى في العالم شيئا فشيئا، وكانت تصل إلى كثير من الآذان، فتتفتح بعض القلوب إلى دعوة الحق، متقبله اياها على البعد، معجبة بما يبدو على أصحابها من البطولة المتمثلة في الصبر والمثابرة والاستمساك، وكانت هذه الأخبار تسرى إلى يثرب على وجه خاص، حيث اليهود هناك، وهم أهل كتاب يدعو إلى التوحيد، وأتباع نبي مرسل كان ينضال الوثنية على عهد الفراعنة، وأصحاب شريعة ترسم للناس منهاجا معينا في الحياة، وتدعوهم إلى الأخذ به في قوة، وقد كانوا يعرفون من كتبهم أمر هذا النبي الجديد وأوصافه، وكانوا من قبل يستفتحون به على الذين كفروا، فهم يتلقون أنباءه، ويتمثلون صور النضال بينه وبين الوثنيين في مكة، ويستحضرون بها ذكريات نضال نبيهم موسى (عليه السلام)، فكان ذلك كله فائدة لدعوة الإسلام، وتمهيداً يستطلع معه إلى يوم مقبل، هو يوم التعاون بين أصحاب الدعوة الجديدة، وأصحاب الدعوة القديمة، على تحقيق الغرض المشترك الذي هو توحيد الله وتقبل هدايته، والقضاء على العدو المشترك الذي هو الوثنية واتباع الأهواء.
كان القطع إلى هذا التعاون يملأ قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت الآمال في هذا الشأن تراوده، فان المطلع على سيرته يجده على كثير من الأنس بهذا المعنى، ويرى كثيراً من تصرفاته ينظر إليه ويستهدفه، ولم يكن هذا المعنى