/ صحفة 11 /
التي لا يتطلبها الواقع، ولا توحى بها الحاجة، وقد علمتنا تجارب الحياة، وحوادث التاريخ أن الجماعات كلما كانت الاهداف التي تجمعها واضحة غير معقدة ولا ملتوية كانت أكثر تماسكا، وأهدأ حياة، وأعظم سعادة، فإذا جنحت إلى التعقيد والتكلف، واستكثرت من القواعد والشروط، وأحبت التقييد والتضييق، ولو باسم التنظيم والتدقيق، فان الحياة تعسر فيها بمقدار ما تأخذ به من ذلك.
لهذا كان الإسلام على عهد رسوله الكريم ديناً سهلا يسيراً، ليس فيه من الطقوس والرسوم ما يميل به إلى التعقيد والغموض، كان البساطة بعينها، والفطرة على صفائها ونقائها، ولم يكن بين الرجل وبين أن يسلم الا أن ينطق بكلمة الإسلام ويلتزم بالأركان الخمسة التي بينها الرسول، وله بعد ذلك أن يزاول أعماله في يسر واطمئنان، وكان مبلغ ما عندهم من العلم آيات من كتاب الله، أو أحاديث يسمعونها من رسول الله، يعرفون معانيها في سماحة واجمال دون تكلف ولا تقعر، فلم يكلف أحد منهم نفسه بمعرفة معنى صفة من صفات الله جاء بها كتابه أو رسوله فالله سميع بصير لأنه وصف نفسه بالسمع والبصر، وبيده ملكوت كل شيء، وليس كمثله شيء، وقد استوى على العرش، وهو الذي في السماء اله وفي الأرض إله، ولم ير أحد منهم أنه بحاجة إلى أحد يعرف معنى سمعه وبصره، وأن يحاول تصور يده التي أثبت لنفسه، أو كيف استوى على عرشه، وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأى أحدا يحاول ذلك أو يشغل نفسه به نهاه وانتهره ونصحه أن يشتغل بما ينفعه في دينه أو دنياه، وكان أكثر الناس تبرّماً بالأسئلة التي توجه إليه فيما يعود على حياة الناس بالتعقيد والجمود، فهو يؤثر أن تظل الأمور يسيرة، لانه يعلم أن تعقيدها يدفع إلى الرغبة في التفلت منها، أو إلى الضيق بها، وقد استوحى هذا المعنى من كتاب ربه، وما طبعه الله عليه من بصر بالأمور، وعلم بطبائع الناس، ادراك لأحوال الجماعات.
سبب نزول النهى عن السؤال:
ويروى في سبب نزول هذا النداء أن المسلمين كانوا في فترة من الفترات يميلون إلى كثرة سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأحكام والأنباء المغيبة، وأن