/ صفحه 90/
بني الارض من معجزة سماوية حتى يؤلف قلوب العرب "و لو أنفقت ما في الارض جميعاً ما ألفت بين قبولهم ولكن الله ألف بينهم". أجل، ألف بينهم أي ردهم إلى سواء السبيل. سبيل الفطرة.. هؤلاء الاجلاف الذين كانوا يأكل بعضهم بعضا على خلاف ما تفعل النمل والنحل وغيرهما من فصائل الحيوان الاجتماعي فكان دأب كل حي أن يغير على الذي يليه فاذا لم يجد غير أخيه فالرأي أن يأكله.
و أحيانا على بكر أخينا * * * إذا ما لم نجد إلا أخانا
هؤلاء الاجلاف أصبحوا بنعمة الله إخواناً أي إخوان يتعاونون على البر والتقوى لا على الاثم والعدوان.
قلت: ولكنها حال لم تلبث أن أتي عليها الزوال، وسبحان مغير الاحوال.
قال: زوال إلى أجل علمه عند علام الغيوب. وإني لا عتقد اعتقاداً جازماً أن الإسلام أكرم على الله من أن يكون عمره على الارض سنوات معدودات.
و إنه لمقيض لهذه الأُمة الواحدة من يجمع كلمتها ويجلي وحدتها، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
قلت:
مني إن تكن يوماً تكن أحسن المني * * * وإلا فقد عشنا بها زمانا رغدا
قال: مني وليس أماني. حسبك أن ترجع القهقرى عشرين عاما. لقد رأيت ذوى الفكر والتوجيه في الأُمة الإسلامية أعقاب الحرب العالمية الأولى مفتونين ببرق خلب غربي خلب البابهم فحسبوا دينهم الذي ارتضي الله لهم ما حسبوا، غير أنها كانت غمامة صيف تقشعت أسرع مما تجمعت، وهأنت ذا الآن تجد المسلمين يقولون آمنا. يقولونها حتى أولئك الذين لما يدخل الايمان في قلوبهم، أتقول إن من بين المتظاهرين بالغيرة على الوحدة الإسلامية منافقين، ليكن الأمر كذلك فتلك بشرى، فأنت لا تنافق ولا تصانع إلا من تحس خطورة شأنه. وازن بين هذه الظاهرة والاخرى نقيضتها،
فمنذ سنين غير بعيدة كان من المسلمين عقيدة من يسترون إسلامهم، فإذا رأيت غير المسلمين الآن ينافقون فيظهرون إيمانهم، فأية دلالة هذه؟