/ صفحه 86/
إسناد كل شيء إلى آخر. نعم إن كل الاشياء متساندة، ولكن كثيراً من حلقات سلسلة التساند قد خفي علينا، ونحن نظن ونتوهم ويشتبه علينا، وما دمنا لا نملك الدليل القاطع فليس أسلم من التحرز وتجنب الظن، فبعضه إثم.
قلت: يقول عروة:
أليس عجيباً أن تلم ملمة * * * وليس علينا في الحقوق معول
فهل من باب الحدس والظن أن أزعمه رجلا أدرك آدميته، وأن من شأن الادميين أن يتعاونوا ميؤدى كل ما عليه من الحقوق، إنه لينكر أن تلم بالحي ملمة ولا يعول عليه في دفعها، عليهم مثلا دية أو ثمن دم أريق، فكيف لا يكون له له بعير من جملة البعران التي بجب أن تساق إلى أهل القتيل؟
هل يستجدى هذا البعير أو كما قال أخ له:
و هل أسأل المرء اللئيم بعيره * * * وبعران ربي في البلاد كثير
لن يسأله بعيره سؤالا، فتلك ذلة، بل يغتصبه اغتصابا، فتلك عزة، وإذا رجع إلى أصل الحق، فان مال الرجل الئيم من عندالله، والله ليس رب اللئيم وحده، هو سبحانه رب الكريم والئيم، والمال ماله. ومتي كنت أنا وأنت سواء. فيما بين يدى ولؤمت فلم أعرف لك حقك فلا عليك أن تأخذه أخذه عزيز مقتدر وأنفي راغم.
قال آخذه أخذ عزيز مقتدر اذا كنته، أما إذا كنت أهم بأمر الحزم ولا أستطيعه، قتلك هي البلية أو أشد ما يبتلي به صاحب النفس الابية.
قلت: كان عروة مستطيعا، وكان عادلا، حتى لكانه قرأ (و لا والله ماقرا) قوله تعالى: "و لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا
تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" روى عنه أنه عني بجماعة من المرضي الجياع وأطعمهم حتى نشطوا للعمل، فأغاربهم على حي وساقوا ما شاءالله لهم أن يسوقوا، وكان من جملته امرأة احتجزها عروة لنفسه، واقتسم وصحبه الغنيمة، قالوا: والمرأة كيف تستأثر بها دوننا؟ وكان عروة فيما يقوله الرواة قادرا على أن يقتل أولئك الناقهين الخارجين