/ صفحه 84/
قلت: لقد بعثتم في مخيلتى أثراً قديماً للصعلكة والصعاليك: كنت أقراً أخبارهم في كتب الأدب العربى وتاريخه، فتكون لدىّ عنهم معني عام يلمهم أجمعين. ولم أكن أعني بأن أفتش عن الكلمة في كتب اللغة، ولكن المصادفة، بعد زمن طويل، جعلتني أعثر عليها في معجم لغوى شرحها شرحا لم أطمئن إليه، فبغيتها في معجم آخر وثالث إلى آخر ما تيسر لي، فرأيت أصحاب اللغة مجمعين أو كمجمعين على قالة معجمي الأول.. كنت إذن واهماً في تصورى القديم.
فالصعلوك ـ لغة ـ لا يعدو الرجل الفقير أو المسكين. وإذا كان ذلك كذلك فلماذا يعد أبو الفرج الاصفهاني الصعاليك طائفة معينة، فاذا حدثنا عن أحدها قال: فلان من صعاليك العرب، ثم ساق أخباراً وبسط معاني تتحقق في كل فرد من أفراد تلك الطائفة، لقد كان أبو الفرج مسئولا إلى حد كبير عن الخطأ اللغوى الذي أخطاته في باب الصعاليك. لقد كانوا جميعا فقراء، ولكن الفقر هو آخر ما يقفك من صفاتهم، بل لعله لم يكن صفة لازمة لهم، وكان لهم عنه مندوحة لو أرادوا. فهاهو ذا "الشنفرى" يؤكد لنا أنه، لولا اجتناب الذام، لنعم بالطعام واشراب. لو قال أصحاب اللغة عن الصعلوك إنه الفاتك أو اللص لكان ثمة صلة بين مقولهم والمعني القائم عندى جراء أصحاب الأدب وتاريخه، فقد كان الفتك أو اللصوصية رابطة تجمع صعاليكي جاهلية وأسلاما، تغم إنها لصوصية كريمة أو شريفة إن أسمحتم، وإلا فلما ذا ـ وأنا أبدا أمقت غير الشرفاء ـ أجدني لا أمقت الشنفرى ولا تأبط شرا ولا السليك بن السلكة؟
قال: قف فأنت تتجاوز ما أنت فيه من حد الصعلكة فيما تصورت من مجموع ما قرأت، وفيما يقول صاحب "الصحلاح" أو صاحب "القاموس" أو غيرهما من جامعي اللغة. فهل تستطيع أن تعرف الصعلوك تعريفا جامعا مانعا بالنظر إلى ما
كنت تراه قبل أن يعين لك أصحاب اللغة معناه.
قلت: إنهم يقولون عن "عروة بن الورد": "عروة الصعاليك" فلماذا لا أتخذه مثلا أو المثل الاعلى للصعاليك، فاذا أنا عرفته، أو قلت من عروة؟ قلت من الصعلوك؟ بمعناه العام.