/ صفحه 80/
و في الحق،لقد قال الكميت والسيد وابن الرومى وغيرهم في آل البيت، فأجادوا، ولكنهم مسّوا جلال ممدوحيهم بما شاب كلامهم من قذع لخصومهم، فأما هذا الشاعر المتمرد الهجاء، نقد طهر شعره من هذه اللوثة، فجاء جامعا للحسن من أطرافه، حاويا للجمال الخلقي، والجمال الفني، نوراً على نور; يهدى الله لنوره من يشاء!
و تائية دعبل الانفة كأنها قطعة من كل قلب، لذلك كان لها في نفس كل من يسمعها أثر لايجحد، يستوى في ذلك الشيعي وغير الشيعي; وكذلك الكلام، إذا خرج من القلب، وصل إلى القلب; وإذا خرج من اللسان لم يعد الاذان.
روى بعض الكوفيين، أنه سمع دعبل بن على يقول: دخلت على على بن موسي الرضا (عليهما السلام)، فقال لي أنشدني
شيئاً مما أحدثت; نأنشدته:
مدارس آيات خلت من تلاوة * * * ومنزل وحي مقفر الغرصات
حتى انتهيت إلى قولي:
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم * * * أكفا عن الاوتار منقبضات
قال: فبكي حتى أغمي عليه; وأومأ إلى خادم كان على رأسه أن اسكت، فسكت ساعة; ثم قال لي: أعد، فأعدت حتى انتهيت إلى هذا البيت أيضاً، فأصابه مثل الذي أصابه في المرة الأولى، وأومأ الخادم ان اسكت فسكت; فمكث ساعة أخرى، ثم قال لي: أعد، فأعدت حتى انتهيت إلى آخرها; فقال لي: أحسنت، ثلاث مرات، ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم مما ضرب باسمه، ولم تكن وقعت إلى أحد بعد; وأمر لي من في منزله بحلى كثير أخرجه إلى الخادم; فقدمت العراق، فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم، اشتراها مني الشيعة، فحصل لي مئة ألف درهم، فكان أول مال اعتقدته:
و روى آخر أن دعبلا قال له: إنه استوهب الرضا (عليه السلام) ثوباً قد لبسه ليجعله في أكفانه، فخلع حبّة كانت عليه، فأعطاه إياها; وبلغ اهل قم خبرها، فسألوه أن يبيعهم إياها بثلاثين الف درهم، فلم يفعل; فخرجوا عليه في طريقه