/ صفحه 78/
أبا مخلد كنا عقيدى مودة * * * هوانا وقلبانا جميعاً معاً معا
أحوطك بالغيب الذي أنت حائطي * * * وأيجع إشفاقا لان تتوجعا
فصيرتني بعد انتحائك متهما * * * لنفسي عليها أرهب الخلق أجمعا
غششت الهوى حتى تداعت أصوله * * * بنا، وابتذلت الوصل حتى تقطعا
و أنزلت من بين الجوانح والحشا * * * ذخيرة ود طالما قد تمنعا
فلا تعذلي ليس لي فيك مطمع * * * تخرقت، حتى لم أجد لك مرقعا
فهبك يميني استأكلت فقطعتها * * * وجشمّت قلبي صبره فتشجعا
و لا عجب ـ بعد هذه الابيات الدامية ـ أن يتهاجرا فلا يلتقيا أبدا!(1)
* * *

ـــــــــــ
1- كان البحتري يرى أن دعبلا أشعر من مسلم; فقيل له في ذلك، فقال: لأن كلام دعبل أدخل في كلام العرب من كلام مسلم، ومذهبه أشبه بمذاهبهم.
و تاريخ دعبل، ومعقد فخره، ليس شعره وحده; ولكنه يتركز في ذلك الروح الثائره، والايمان الراسخ، الذي نبع من إخلاصه لال بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إخلاصا تركه يرى كل من سواهم عدما على الإطلاق، لا يجلب خيراً، ولا يدفع ضراً ولا يستحق أن يخاف منه، ولا أن يرغب فيه.
فلقد كان دعبل شيعياً كل الشيعي، وكان تشيعه معتدلا معقولا، لا غلوّ فيه ولا إسراف; قرئت عليه مرة مناقضته للكميت، وجاء فيها:
من أي ثنية طلعت قريش * * * وكانوا معشراً متنبطينا
فقال دعبل: معاذ الله أن يكون هذا البيت لي! ثم قال:لعنه الله وانتقم منه! "يعني أبا سعد المحزومي" دسه ـ والله ـ في هذا الشعر، وضرب بيده على سكين كانت معبد، فجرد البيت بحدها.
و ادعي عليه بعض الزبيريين مرة أنه شتم صفية رضي الله عنها، واستعدوا عليه القاضي عمروبن حميد; فأجابه: أرافضي أنا أشتم صفية بنت عبدالمطلب سخنت عينك! وهل يقبل عقلك ذلك!؟