/ صفحه 71/
الدماء وسبي الحرم وقتل الذرية، وكان الجاهلون لا يتناهون عن منكر فعلوه من هذا القبيل، كانوا يتفاخرون ويتكاثرون بالاموال والاولاد، وما إلى ذلك من شؤون الحياة المادية وبأشياء أخرى قد يترفع أهل العقول عن المفاخرة بها وحدها، وكان جل فخر العرب بعد إسلامهم بالعقل والعلم والورع أي بالفضائل ومكارم الأخلاق.
حمية الانذال:
و كان حكماء العرب يسمعون هذا النوع من النخوة الجاهلية (حمية الانذال).
قال الاحنف بن قيس حكيم العرب، وقد سئل عما فيه حياة العرب ما نصه:
"إذا تقلدوا السيوف، وشدوا العمائم، وركبوا الخيل، ولم تأخذهم حمية الاوغاد، قيل له: "و ما حمية الاوغاد؟" قال: (أن يعدوا التواهب فيما بينهم ضيما(2)
و لقد أصاب الاحنف فيما قال، فإن صلاح الأمم بالتعاطف والتواهب والتباذل والنحاب، وفسادما بالنعادى والتنافر و
ـــــــــــ
1- راجع عن تحكم ملوك حمير بالقبائل النزارية وجبائتها وأخذ أموالها وتاريخ امتناعها عن ذلك في الجاهلية، العقد الفريد (3/365 وما يليها) ط الجمالية. ومن أحسن المراجع فب قصة نفرق قبائل اليمن كتاب الامثال للميداني في شرحه للمثل المصور: "نفرقوا أيدى سبأ" وانظر عن الحرب بين أهل نهامة واليمن، العقد الفريد (3/347 فما يليها).
2- البيان والتبيين (2/183)، وفي وفيات الأعيان (230-232)، ترجمة ضافية للأحنف المذكور، وتجد أو سع ترجمة له في تهذيب تاريخ دمشق لابن عماكر (7/10-24) وفي كتاب الاستيعاب لابن عبدالبر (1/55-56)، ووردت له ترجمة أخرى في مادة (صخر) من المصدر المذكور.
التواكل وكانت دعوة الجاهلية أو حمية الانذال هذه، مبدأ بوار الأُمة العربية كما قال الا حنف بن قيس سيد أهل البصرة رحمه الله. والغالب أنه لاحظ بوادر هدذه النعرات وسوء مغبة تلك الخصومات الشنيعة بين عرب زمانه، فأراد أن يصور ضررها وشاعتها وسقوط أهلها بهذه الكلمة القيمة. والحقيقة أن هذه المصبية الجاهلية لم توصف بأحسن من قوله: "حمية الاوغاد"، ومن أخلص بذلك من الا حنف في دينه المنين وقلبه الكبير، وعقله العظيم؟ فما أوجعها من كلمة، وما أبلغها من عبارة!
و أبلغ دليل على ذلك هذا الضعف والفساد اللذان عصفا بحياة الأُمة العربية بعد عصر الا حنف، ولا منشاً لهما إلا الحروب التي دارت بين العدنانية والفحطانية