/ صفحه 72/
فأفقدت العرب معينا لا ينضب ومادة لا تنقطع كانت قبائل الجزيرة تمدبها الامصار والثغور رجالا أشداه، وسواعد مفتولة، وأخلاقا رضية كريمة، وقد ظهرت نتايج هذه الحروب الداخلية بعد ذلك في جرأة
المذكورة عن كثير من الثغور والاقطاع، بعد أن كانت فرائص الروم والفرنجة ترتعد لمجرد ذكر العرب والمسلمين.
و الواقع أن دعوة الإسلام جاءت رحمة للطبقة الدنيا من الناس، فرفعت أخلهم حسبا، وأوضعهم نسبا، وساوته بغيره في الحقوق والواجبات.
مساوى: الجاهلية ومحاسنها:
لعرب الجاهلية مساوىء ومحاسن، ولبعض قبائلهم سير ذميمة في عقائدهم وأنكحتهم وتبرج نسائهم ووأد بناتهم ووأد بناتهم وعضلهن ـ أي منعهن من الزواج حتى الموت ـ وقتل أولادهم خشية الإملاق، ولهم عادات أخرى ممقوتة، حضرتها الشريعة الإسلامية، ولكن من حق أهل الوبر وسكان البادية من العرب على كل حال أن يفخروا على غيرهم بشمائلهم وسجاياهم، ومن أشهرها الانفة من العار، وحماية الذمار وقرى الضيف، وأداء الحمالات أو الغرامات، ورعاية العهود والوفاء بالوعود، وقد اشتروا ببذل المهج والنفوس في هذا السبيل، وكان أهل الجاهلية لا يسودون إلا من
تكاملت فيه ست خصال: السخاء، والنجدة، والصبر، والحلم، والتواضع، والبيان، وقد أضيف إليها الإسلام بعد ذلك أي بعد الجاهلية ويمتاز الجنس العربي على غيره كذلك بخصائص ومميزات، في مقدمتها: حدة الذهن والفطنة، وصدق الفراسة، وكانوا يستدلون باللحظة وباللفظة، وهم إلى الخير أقرب، ومن غيرهم أحفظ، بل هم أمراء البيان، يفيض منطقهم بالحكمة وفصل الخطاب، وقد تأصلت فيهم هذه السجايا والأخلاق وتوارثها أجيالهم في الجاهلية.