/ صفحه 63/
و يلاحظ أن بين المستشرقين فرقا وأحزابا، ولا شك أن عدد الاعلام المنصفين والفحول المتضلعين منهم ليس بالقليل، وفضل هذا الصنف لا ينكر في نشر جانب من تراث العرب وإثارة كنوزهم الدفينة، وقد بلغ بعضهم في التحقيق والتنقيب غاية بعيدة ووجدنا في هذه الطبقة من المستشرقين من يترفع عن الدس والغض من حضارة الشرق والإسلام، ولكن إلى جانب هؤلاء توجد طبقة أخرى عمدت في بعض ما يكتب وينشر لها إلى دس السم في الدسم وبذر بذور الشقاق، بل وجدناها تعالج البحث في تاريخنا الإسلامي على شكل يثير التفرقة، وخاصة بين شبابنا الناشيء المتعلم في عصرهم أحوج ما يكونون فيه إلى الاتحاد ودفن الحزازات.
ما أكثر أوهام هذه الطبقة من المستشرقين وما أتفه بضاعتها من لغة العرب وتاريخهم، وقد أبت العربية أن تبوح بأسرارها لكثير منهم فضلت أفهامهم في فهم ما فرأوه من النصوص فيها وراحوا يخبطون خبط عشواء وضل معهم من ضل من المقلدين، ثم الا ترى أن لكثير منهم في ناحية الشؤون الاخلاقية والسياسية وغير ذلك مقاييس تختلف عن مقاييس شعوب الشرق في كثير من الاحيان، هذا وأنكى من ذلك أن يطرس على آثارهم بعض المتعلمين من الشرقيين وإذا عذرنا هذه الفئة من المستشرقين فيما يصدر عنهم من هذا القبيل طبقا لاغراضهم أو أغراض دولهم وأطماعها فما عذر هذه الزمرة من أبناء الشرق في انتحال تلك الاراء الدخيلة ونقل ما كتب فيها إلى العربية؟ وليس الغلو والشطط من أخلاق العرب في شيء وهما حجة قوية لمن يطعن في عروبة هؤلاء المقلدين وفي أنسابهم المنتحلة، وكم جنى الغلو على حقائق العلم والتاريخ!
إذا رأينا بعض هؤلاء المتأخرين من المستشرقين يضلعون مع بين عريق من بيوت العرب أو يتحاملون على بيت آخر أو ينددون بنحلة من النحل أو يؤيدون نحلة أخرى أو يفرقون بين عرب الشام وعرب العراق في هذا العصر، فاعلم أن لهم
أو لبعض دولهم المسيطرة على ديار الإسلام ما لها من الاغراض السياسية