/ صفحة 6/
هذا والناس إنما يفقدون الحماسة للحق، والحرارة في الدفاع عنه، لواحد من أمرين: إما جهل به يصر فهم عنه، فهم لم يذوقوا حلاوته، ولم يباشروا بشاشته، فأني لم أن يعبأوا به فضلاً عن أن يغاروا عليه، وإما شغل بغيره يملا القلب، ولا يترك مجالاً للنضال عن الحق، والكفاح في سبيله، وأولئك هم الذين يعرفون الحق ويشغلهم عنه ما آثروه من أنفسهم ومصالحهم، فهم يتظاهرون بأن تركهم مناصرة الحق إنما هو لتركهم التعصب، وكراهيتهم التزمت والتشدد، والله يعلم أن ذلك منهم نكول ونكوص وإيثار لعاجل الدنيا على آجل الآخرة، وأشد ما تصاب به الأمم في علمائها وأهل الرأي فيها، هو التحايل للخروج من تبعات الكتمان بلأويل والتضليل .
بهذا يتبين أن التعصب ليس مذموماً كله، وأن اتخاذ أمره مقياساً للرقي أو الانحطاط يجب أن يتلقي بحذر، ويقدّر بقدر .
ألا وإن دعوة التقريب لدعوة إلى الأخذ بمحمودة والانتهاء عن مذمومة، وإنها لدعوة الإسلام .
* * *
2ـ ومن ذلك أن بعض الكاتبين في الدفاع عن الإسلام، يسلكون سبيلاً لا أرى لهم أن يسلكوها لما فيها من الخطر، وإن استتر. وأقصد بهم الذين يحارون مفكري الغرب فيما يرونه خيراً للمجتمع أو شراً، ثم يحاولون أن يبرئوا شريعة الإسلام من هذا الشر، أو يضيفوا إليها الأمر بذلك الخير .
مثال ذلك:تعدد الزوجات، فإنهم يأخذون عن الغرب مجافاته للمجتمعات الراقية، وإنضاءه إلى ألوان من الكوارث تجعله أمراً ضاراً بالناس، ثم يدافعون عن الإسلام بأنه يمنع تعدد الزوجات بقوله تعالى: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" مع قوله جل شأنه: "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة" .
وليس هذا حقاً، فإن الإسلام أباح التعدد لحكم جليلة، ومنافع للمجتمع يدركها المنصفون، فمن الخير أن نشرح وجهة الإسلام في هذا الإباحة، لا أن