/ صفحة 5/
بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، وهو مع ذلك يقلده فيه، ويترك من شهد له الكتاب والسنة، ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالاً من مقلَّده" .
وقد أفاض العلماء في فساد هذه الطريقة وبيان مجافاتها للصواب، وتأيها عن الحق، ومن القواعد التي يقررها الشرع والعقل أن (الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل) .
وإن كان المراد بالتعصب الغيرة على ما يراه المرء حقاً، وبذلَ الجهد في الدفاع عنه، وعدم التسامح فيه، فذلك محمود،بل واجب بالشرع والعقل، فانه لا بد للحق من مستمسك به، مدافع عنه، ولو ساغ أن يتطابق الناس جيعاً على التسامح في شأن الحق، والفتور عنه، لبطل الحق، وعمّي على الناس وجهه، والتبس بالباطل في كثير من الشئون .
ولهذا لا يصلح مجتمع يخلو من المستمسكين بالحق، المدافعين عنه، الذين لا يترخصون فيه ولا يتسامحون، وإن جميع الدعوات الصالحة الخيّرة ما رسخت أصولها، ولاسَمَقَت فروعها، إلاّ باستمساك أهلها بها، وصدقهم في النضال عنها، لأنهم آمنوا بها إيماناً ثابتاً لا يتزلزل، ولولا هذا الإيمان الصادق القوي المتماسك لماتت ـ والعياذ بالله ـ دعوة الإسلام في مهدها، ولفسد المجتمع الإسلامي من أول الأمر بما يسميه المتحللون مساهلة أو مياسرة، ونسميه نحن انحلالاً أو اضمحلالاً .
وقد أمر الله المؤمنين بأن يكونوا أقوياء في الحق "يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم" ومدح الذين "يمسّكون بالكتاب" ولعل هذه الصيغة إنما اختيرت للتعبير عن معنى القوة في الأخذ، وهو ما صرح به في مثل قوله تعالى لنبيه يحيى: "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" ولنبيه موسى: "فخذها بقوة"، كما أمر المؤمنين بأن يكونوا "قوّامين لله" والقوّام بالشيء غير القائم به إذ هو مبالغة في القيام تقتضي القوة في الاستمساك والتشبث، وذلك كله ينافي التاريخي عن الحق، والمساهلة فيه .

ـــــــــــ
1- سورة الزخرف 21 ـ 25.
2- رواه أبو داود عن جبير بن مطعم، كما في الجامع الصغير .