/ صفحه 56/
و لا ينسي العراقيون الحروب التي دارت من البصرة إلى بغداد بين العثمانيين والانجليز، فقد كان مجتهد الشعية يحملون السلاح في مقدمة المتطوعين من القبائل الشيعية التي كانت تعد بمئات الالوف، وقد قتل في تلك الحروب الطاحنة كثير من شيوخ الشيعة وعلمائها الذين باشروا الحروب بأنفسهم وخاضوا غمرآتها في (الثعيبة) حول البصرة و(مزيرعة) حول القرنة و(أبي الدعالج) حول الناصرية والعمارة والكوت كراً وفراً، و(قصيبة) حول بغداد في الهجوم والدفاع، وهكذا حتى انتهت الحرب وعلماء الشيعة على رأس المتطوعين من قبائلهم، وكنت أنا ممن حمل السلاح وخاض غمرات تلك الحروب بأسرها، ولا يغيب عن ناظرى اليوم عشرات من مجتهدى الشيعة رأيتهم مشحطين بدمائهم على التراب تحت العجاج حتى زهقت أنفسهم في سبيل الله ودفناهم بثيابهم من غير غسل لانهم شهداء والشهيد لا يغسل ولا يكفن بل يدفن بثيابه.
لم يُغلب المسلمون:
و كان مما يلاحظ في تلك الحروب أن المسلمين دائماً كانوا ينهزمون أمام الجيوش الانكليزية، وكان القواد العثانيون
بظنون أن الهزيمة من نتائج عدم تكافؤ القوى، وكان علماء الشيعة يعتقدون أن الهزيمة نتيجة ضعف الايمان، وترك التعاليم الإسلامية، فان الجيش العثماني كانت له عقيدة ثابتة في الدين لم تحصل لقادته، لانهم كانوا ممن أثرت عليهم الشبهات وغرتهم زخارف المدنية الاوربية، ولم تتحد عقيدة القادة مع عقيدة الجند، وكم من قائد كان يذهب إلى ميدان الحرب في صبيحة ليلة فاجرة كان فد مضاها بين الخمر والغوانى دون أن يردعه عن ذلك وازع من دين أو عقيدة فيزج بجنوده في لهوات الحرب، ولا شك أن عاقبة قتل هذا القائد هي الخذلان والهزيمة، وكان النزاع بين علماء الشيعة الذين كانوا يقودون المتطوعين وبين قادة الجند دائماً بسبب ذلك، وكانوا يذكرونهم بقوله تعالى: "و لينصرن الله من ينصره" و"كان حقاً علينا نصرالمؤمنين". "ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"."و اوفوا بعهدى أوف بعهدكم" وأمثال ذلك من الايات الكريمة التي تصرح أن الله تعالى إنما ينصر المؤمنين الذين يعملون الصالحات،