/ صفحه 55/
منحصرة في تعصب الدولة لاهل السنة ضد الشيعة، حتى أنها لم تكن تعترف بأى حق لهم كمواطنين في البلاد. وكانت تقتل من تظهر له مرية علمية من الشيعة، كالشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي، والشهيد الثاني زين الدين وأمثالها.
و العراق كان أشد البقاع العثمانية شقاء وأكثرها عناء، حتى أن أحد من الشيعة أو أهل السنة اذا خلا بصاحبه وقوى عليه لم يؤمن عليه خطره، وهذه الحوادث كانت وليدة الحوادث الكثيرة التاريخية التي أشرنا اليها في الأمر الأول ومسببة عن وضع المراكز الدينية التي ذكرناها في الأمر الثانى، والمستعمرون وجدوا فيها جواً ملائماً لبذر بذور النفاق، والقاء التفرقة والشقاق بين الفريقين اتباعا للسياسة العامة (فرق تسد) التي يتبعونها في المستعمرات، ودامت الحال على ذلك إلى زمن الانقلاب الاخير في الدولة العثمانية والانتقال من الحكم الاستبدادى إلى الحكم الدستورى.
الوحدة الإسلامية والدعوة اليها:
و لما قام الاحرار في وجه السلطان عبدالحميد وخلعوه وأوجدوا النظام الدستورى ـ واستيقظ المسلمون من سنة
الغفلة، وشعروا بالضعف، وأن من أشد عوامله تفرق كلمة المسلمين وتشتت شملهم، أخذ المفكرون منهم ـ ولا سيما علماء الدين ـ يسعون جهدهم في نبذ الخلاف وترك الخصومات، وتوحيد كلمة المسلمين، ونجحوا نجاحا باهرا في العراق، وصار الشيعي لايفرق بين أخيه السني وأخيه الشيعي، وكذلك صار أهل السنة يرون الشيعة أخوة لهم ويسعون في مصالحهم كما يسعون في مصالح أهل السنة وتوثقت روابط الاخوة بين الفريقين ودامت الصلات، وكثرت بينهم المناكحات حتى صار كل من السني والشيعي يشعر بأن الاخر كف له فيزوجه ابنته، وقلما يوجد بيت في بغداد وأطرافها لا تتشكل أفراده من شيعيين سنيين، فكم من ولد أبوه شيعي وأمه سنّية وبالعكس، ولما حدثت حرب طرابلس الغرب مع ايطاليا وحرب البلقان والحرب العالمية الأولى كان الشيعة فيها ـ مع أن الدولة كانت سنية ـ أكثر جهادا وبذلا للنفس وللمال من أهل السنة.