/ صفحة 4/
1 ـ فمن ذلك أن الناس يذمون التعصب للرأي، ويرونه ضاراً بالعلم منافياً لما ينبغيى أن يكون بين أهله من سماحة، وقد يصل بهم الأمر إلى أن يقيسوا رقي الأمم والجماعات بمقياس يرجع إليه، فإذا وجدوا التعصب سائداً في قوم وصفوهم بالتأخر الفكري، أو بالقصور، أو بالتزمت، أو بضيق الأفق، إلى غير ذلك من العبارات الدالة على الجمود أو لوازم الجمود، وعلى العكس من ذلك نراهم يصفون المتسامحين، فيهم عندهم أقوى عقولاً، وأهدى سبيلاً، وأصلح للحياة الاجتماعية الراقية .
وإطلاق القول على هذا النحو مجانب للصواب، فإن "التعصب" إن أريد به عدم قبول الحق عند ظهور الدليل بناء على ميل المرء لعصبته، وجدّه في نصرتهم، فهو مذموم منهى عنه في الإسلام، ويطلق عليه لفظ "العصبية" وقد نعى الله على أهل الجاهلية في غير آية من كتابه الكريم، تمسكهم بها، ومن ذلك قوله جل شأنه "أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون. بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون، وكذلك ما أرسلنا من قبلك من قرية من نذير إلاّ قال مُترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون. قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم؟ قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون، فانتقمنا
منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين"(1) .
وفي الحديث الشريف (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل عصبية، وليس منا من مات على عصبية)(2) .
وشبيه بهذا الذي كان يفعله أهل الجاهلية تعصب بعض المقلدين لمذاهب أئمتهم وإن وقفوا على ضعفها أو بطلانها، وفي ذلك يقول الشيخ عز الدين عبد السلام "ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه