/ صفحه 419/
مشتعله (قد علم كيف يُرتب الكلام ويؤلف، وكيف ينظم ويرصف، طالما دفع إلى مضايقه، ووقع في مداحضه ومزالقه).
و إذا كان الزمخشرى قد جعل على المعاني والبيان كالاصلين لدراسة كتاب الله فإن هذه اللمحات التي أشار إليها من دقائقه، وأنه لحق ألا يعرف أسرار الكلام إلا من كان مشتعل القريحة وقادها، دراً فعل كاللمحة، منتبها المرمزة طالما دفع إلى مضايق الكلام، ووقع في مداحضه.
على أن من التفسير نوعا لا يحتاج إلى كل هذا، وهو التفسير النقلي الذي يعتمد على الاثار المنقوله، لكن الطريقة التي
نهجها جارالله في التفسير، وهي طريقة متأخرة، بعد أن صار اللسان وعلومة صناعة تحتاج إلى علم غزير، مع فطرة سليمة، وهذا ما كان عند الزمخشرى، ولذلك جاء تفسيره سجلا لكثير من المباحث البيانية، واللغوية، والنحوية، ويرى ابن خلدون أنه مبني على علم البيان (و هو كله مبني على هذا الفن وهو أصله) غير أن اعتزال الزمخشرى وإتيانه بالحجاج على طريقة أهل العدل والتوحيد جعل مخالفي المعتزلة ينفرون منه بعض النفرة.
وقد أحدث هذا حركة بلاغية واسعة النطاق حول آيات الكتاب الكريم، فقام غَيَّر واحد من أهل السنة الايات، وتبين أن البلاغة إنما تقع في الآية على مايراه أهل السنة لا على ما يراه المعتزلة، ومن أشهر من كتب في ذلك شرف الدين الطيبى من أهل توريز من عراق العجم، وبين أيدينا كتاب الانتصاف لناصر الدين أحمد بن المنير السكندرى، وقد كانت عنايته متوجهة إلى أن يرد على الزمخشرى في العقائد، ولكن ذلك لم يمنعه أن يمتدحه فيما أتى به من وجوه البلاغة ومن ذلك ما كتبه تعليقا على كلام الزمخشرى عند قوله تعالى: "فأ اقها الله لباس الجوع والخوف" قال صاحب الانتصاف: (هذا الفصل من كلامه يستجق على علماء البيان أن يكتبوه بذوب التبر لا بالحبر).
وهي شهادة لها قدرها، إذ هي من ناظر في العيوب قبل المحاسن، وباحث عن العثرات لا عن الحسنات.