/ صفحه 418/
و تشبيههم بالبهائم شي ء واحد، فكانت الجملة الثانية مقررة لما في الأولى، فهي من العطف بمعزل، وهم فصل، وفائدته الدلالة على أن الوارد بعده خبر لاصفة، والتوكيد، وإيجاب أن فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره، ومعني التعريف في المفلحون الدلالة على أن المتقين هم الناس الذين بلغك عنهم أنهم يفلحون في الاخرة كما إذا بلغك أن إنساناً قدتاب من أهل بلدك فاستخبرت من هو فقيل زيد التائب أي هو الذي أخبرت بتوبته أو على أنهم الذين أن
حصلت صفة المفلحين وتحققوا ماهم وتصوروا بصورتهم الحقيقية فهم هم لا يعدون تلك الحقيقة، كما تقول لصاحبك: هل عرفت الاسد، ما جبل عليه من فرط الاقدام إن زيداً هو هو).
و انما أطلت بهذا المثل لادلك أولا على طريقة الزمخشرى في تدوين اللطائف البلاغية، ولاضع يدك على موضع القوة والسلامة والحلو من الفضول في بيانه، ولاقول لك ثانياً: إنه ذكر في هذه الجملة نحو سبع جزئيات بيانية، فارجع إلى كل منها في كتاب السكاكى فستجد الدليل الواضح على تأثر السكاكى بالزمخشرى وأخذه عنه.
* * * *
علماء البيان ـ ومنهم الزمخشرى ـ متفقون على أنه لابد لمن يتعاطى التفسير من معارف واسعة: ومتنوعة، ربما لا تتهيأ إلا الافراد الناس، وفي النَّدرة، وليس يكفى أن يكون العالم متبحراً في مادة أو مادتين ليسوغ له أن يخوض في التأويل. "فالنحوى وإن كان أنحي من سيبويه، واللغوى وإن علك اللغات بقوة لحييه" لا يستطيع واحد منهما ولا ممن كان على شاكلتهما ممن نبغ في علم واحد، أن يسلك تلك الطرائق، ولا أن يغوص على شى ء من هذه الحقائق.
ويرى أن أول مايجب لهذا العمل أن يكون الرجل بارعا في علمين مختصين بالقرآن، هما: علم المعانى والبيان: ثم يأخذ من سائرالعلوم بحظ، وأن يكون حافظاً محققاً، كثير المطالعات، ولا بد أن تكون له طبيعة مسترسلة وقريحة