/ صفحه 420/
كما اختلف علماء البيان في كلامه، فتناظروا في تخرج عباراته، وفي الانتصار له، والتعصب عليه، وذكرت له آراء ـ مستقله في كتب البلاغة كانت موضع مناقشات بين العلماء ومن أشهر ذلك المناطرة التي وقعت بين السعد والسيد حول اجتماع الاستعارة التمثيلية والتبعية في كلام الزمخشرى عند قوله تعالى: "أولئك على هدىً من ربهم".
والناس في هذا العصر يطالعوننا بشىء يزعمونه جديداً ويؤكدون أن القدماء لم يتنبهوا إليه: يقولون إن قواعد البيان يجب أن تقوم على أصول علم النفس،
ما فاتهم أنهم لم يجعلوا هذه الأُمور النفسية علما، وإن كانوا تنبهوا إلى أثرها في الكلام، ونكتفي هنا ـ وبهذه المناسبة ـ بمثل واحد من أمثلة كثيرة، يبين كيف يختلف الاسلوب تبعاً لاختلاف مكان معاني الكلام في النفس، فيترك تأكيد
الحكم المنكر لان نفس المتكلم لا تساعده على تأكيده، ويؤكد الحكم المسلم لصدق الرغبة فيه والرواج، وذلك حيث يقول صاحب الكشاف في قوله تعالى: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلواإلي شياطينهم قالوا إنا معكم" ليس ما خاطبوا به المؤمنين جديراً بأقوى الكلامين وأوكدهما لانهم في ادعاء حدوث الايمان منهم لا في ادعاء أنهم أوحديون فيه، إما لان أنفسهم لا تساعدهم عليه لعدم الباعث والمحرك من العقائد، وإما لانه لا يروج عنهم لوقالوه على لفظ التوكيد والمبالغة، وإما مخاطبة إخوانهم في الاخبار عن أنفسهم بالثبات على اليهودية فهم فيه على صدق ورغبة ووفور نشاط، وهو رائج عنهم متقبل منهم، فكان مظنة للتحقيق، ومئنة للتوكيد.
و في هذه النظرات وأمثالها مايرد على بعض من كتبوا في البلاغة من المحدثين، حيث عابوا على المتقدمين أنهم قصروا للتوكيد وعدمه على حال المخاطب دون حال المتكلم.