/ صفحه 392/
قلت: أفيجوز لنا ـ وقد تأنفت العرب في لغتها إلى حد إهمال قواعد اللغة أن تحتذيها فنهمل قواعد النحوتأنقا فنرفع الحال مثلا وننصب المجرور، ونرفع المنصوب، ونزيد في حروف الكلمة وننقص منها إلى آخر مايدخل في باب الاناقة الاهمالية.
قال: على رسلك فأنا لم أزعم أن العرب أهملت قواعد اللغة، بل زعمت أنك تحسبها خرجت على هذده القواعد. وحسبانك ليس حسبان العرب التي كانت تتكلم فتراعى حفظ النسب، كما يقضى ميزآنها الفطرى دون ما رجوع إلى القواعد التي لم تكن قعدت... فإذا رأيت كلاما عربياً يجافي قاعدة من القواعد اللغة العربية نحواً أو صرفا أو غيرهما، فليس معني هذا أن العربي أخطأ أو شذ، بل معناه أن القاعدة الموضوعة قصرت فكانت غير جامعة أو مانعة... على أنه يندر أن يعدم أهل (الفن) طريقة احتيالية تجعل القاعدة جامعة مانعة.
قلت: فكيف أتأنق لغة على الطريقة الاهمالية؟
قال: إنك تأبى إلا الاهمال غافلا أو متغافلا عن مدلول ضرب الامثال... لقد دعا أبو قير الناس إلى مذهبه الموسوم مذهب (اللذة) وهو إنما يعني الملذات الروحية، فخلف من بعده خلف آمنوا بمذهب الملذات أو الشهوات الحسية معتبرين أنهم لم يؤمنوا إلابما آمن به أبو قير من قبل، فهم أتباعه أو فقهاء مذهبه...
قلت: لا أحب أن يصرفنا أبو قير عما نحن فيه، نحن في اللغة العربية، وأناقة التعبير.
قال: إن العرب لم تتأنق ولم الترف اللغوى أو الكماليات إلا بعد أن استنفدت كل الضروريات والمقومات اللغوية، فكان لكل مدلول دلالة لفظية، ثم دلائل لفظية كثيرة مكنت للعرب أن تتصرف في تلك الثروُة اللغوية البالغة تصرف صاحب الملايين ـ أو صاحب الالاف المؤلفة إن لم يكن فوق الالف عد ـ الذي يريد أن يستمتع، فلا يفوته لون من ألوان الاستمتاع... أفترانا نحن عرب هذه الايام في مثل هذه الحال.