/ صفحه 385/
يظاهرون أهل الحرب ببقائهم بينهم، وأهل الذمة يظاهرون المسلمين على أهل الحرب بمعاهدتهم لهم، وإيثارهم مسالمتهم على حربهم، وفي هذا تقوية لجانب المسلمين على خصومهم، فكان موقفهم من الناحية السياسية أحسن من موقف مسلمي مكة، ومن مزايا الإسلام أنه لا يزن الأُمور بميزان الدين فقط، بل يزنها بميزان الدين وبميزان
السياسية غير هذا من الموازين الانسانية، ثم يأخذ في هذا بحكم المصلحة العامة، وإن ترتب على هذا ماترتب في هذه الحالة من إهمال مراعاة الرابطة الإسلامية، وهذه مرونة دينية لا يكاد الانسان يجدها في غير الإسلام ونظر بعيد يمتاز به على غيره من الاديان وتوجيه شامل يناسب تشريعه الشامل للناس جميعاً على اختلاف أجناسهم وأديانهم، ويلائم حكمه العادل الذي لايخص بعدله المسلمين وحدهم.
على أن في إيجابه تعالى على مسلمى أهل المدينة، نصرة مسلمى أهل مكة، إذا استنصروهم في الدين ما يفيد الغرض الذي تسعي إليه جماعة التقريب بين المداهب فقد حصل بقعود مسلمي أهل مكة عن نصرة إخوانهم بالمدينة خلاف كبير بين الفريقين ولعله أول خلاف حصل بين المسلمين ثم طال أمده بينهم لأنه ظل من بدء الهجرة من مكة إلى السنة الثامنة منها، وهي السنة التي فتح المسلمون فيها مكة، وانقطع بها حكم الهجرة منها إلى المدينة، لانها صارت بعدفتحها دار إسلام، فكانت الافامة بهامثل الاقامة بالمدينة، ولكن هذا الخلاف حصل في عهدالنبى (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فوقف به عند حده الذي يجب أن يقف عنده، وجعله خلافا سياسيا لا دينيا، فلم يحكم به على المسلمين الذين لم يهاجروا بالخروج من الإسلام، كما حكم بهذا بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)في مثل هذا الخلاف أو أقل منه، ثم انه لم يتغال فيه بعد هذا حتى يصير إلى قطيعة بين الفريقين، وينتهي إلى عداوة دينية أو سياسية، كما انتهي الخلاف بين المسلمين بعده إلى مثل هذه العداوة، بل بقيت الرابطة الإسلامية بين الفريقين في ا لحد السابق ووجب على مسلمى أهل المدينة نصرة مسلمي مكة اذا استنصروهم في الدين الا على قوم بينهم وبينهم ميثاق، فلم يؤثر الخلاف بين الفريقين في رابطتهم بل