/ صفحه 384/
و أن يكون حب كل واحد لغيره جارياً مجرى حبه لنفسه، وإذا كان اللفظ محتملا لهذا المعنى كان حمله على الارث بعيداً عن دلالة اللفظ، وإنما كان حمل الولاية في الايتين على هذا المعني مثل حملها على الارث في عدم المعارضة للولاية بين المواطنين وإن كان أحدهما مسلماو الاخر غيرمسلم، لان الايتين لم تنزلا في مثل هذين المواطنين، وإنما
نزلتا في كفار قريش واليهود الذين اجتمعوا على حرب المسلمين ووالي بعضهم بعضا على عداوتهم، وكانت الجنسية علة ولاية بعضهم لبعض، لانهم لما اشتركوا في هذه العداوة صارت هذه الجهة موجبة للولاية بينهم، ولقرب بعضهم من بعض، ولم يكن اشتراكهم في هذا لاجل اتفاقهم في الدين لان كل فريق منهم كان في نهاية الانكار لدين صاحبه،و إنما كان لمحض ما وقعوا فيه من الحسد والبغي والعناد، على أن الايتين إذا كان فيهما ما يفيد قطع الولاية بين المسلمين وأعدائهم من أولئك المحاربين، فإن فيها ما يفيد الابقاء على ما يكون من ولاية بينهم وبين غير المحاربين، وهذا في قوله تعالى في الآية الأولى منهما: "و ان استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق" فليس في هذا ما يمنع من طغيان الرابطة الإسلامية على غيرها فقط بل فيه مايفيد إيثار غير الرابطة الإسلامية عليها في بعض الحالات، كما في هذه الحالة التي آثر فيها بعض المسلمين الاقامة في مكة على الهجرة إلى المدينة، وكانت مكة في ذلك الوقت دار حرب، فوجبت الهجرة منها إلى المدينة تكثيراً لعدد المسلمين وزيادة في النكاية بأهل مكة فكان من أقام بهامن المسلمين عاصياً بإقامته فيها، وقد أوجب الله تعالى على المسلمين في المدينة أن ينصروهم في الدين إذا استنصروهم، واستثني من هذا أن يكون استنصار هم لهم على قوم من غير المسلمين بينهم وبين أهل المدينة رابطة ميثاق، وهم أهل ذمة المسلمين بأن يكونوا مواطنين لهم أو معاهدين فأوجب عليهم مراعاة
ذلك على مراعاة الرابطة الإسلامية بينهم وبين مسلمي مكة، لضعفها بإيثارهم دار الحرب على دار الإسلام، وقعودهم عن نصرة إخوانهم بالمدينة على أعدائهم بمكة، فكان من حسن السياسية إيثار الرابطة السياسيه على الرابطة الإسلامية في هذه الحالة، لان مسلمي أهل مكة