/ صفحه 386/
كان مسلموا أهل المدينة ينظرون إلى مسلمى مكة بشىء من الرحمة والشفقة، ويعملون على ضمهم إليهم بكل وسيلة، إلى أن انتهي الخلاف بينهم بفتح مكة.
ويمكننا بعد هذا أن نحكم بأن الإسلام لا ينظر في سياسته إلى الرابطة الإسلامية وحدها، بل ينظر فيها إلى غير الرابطة
الإسلامية من الرابطة الوطنية ونحوها، لانه يمتاز على غيره من الاديان بأنه لا اكراه فيه على الدين فيدخل في حكمه المسلم وغير المسلم، ويجتمع في وطنه الناس على اختلاف أديانهم وأجناسهم، فيكون وطنه وطناً لهم جميعا.
وقد نشأ الوطن الإسلامي المشترك بين المسلمين وغيرهم بعد هجرتهم من مكة إلى المدينة، فصارت المدينة بهذه الهجرة وطناً إسلاميا بحكم الكثرة الإسلامية التي ظهرت فيها فصار لها الحكم في أهلها، وقد كان فيها جالية من اليهود هاجرت إليها قديما قبل المسلمين، واتخذت الصناعة والتجارة والزراعة حرفة لها، وعاملت العرب بالربا الفاحش، حتى ابتزت كثيراً من أرضهم وأموالهم، ولما طال العهد عليها بين العرب انغمست في جاهليتهم، وانقسمت إلى قبائل مثلهم، فكان منهم بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، وكان العرب الذين يسكنون بينهم ينقسمون إلى قبيلتين كبيرين (الاوس والخزرج) وكان بين القبيلتين حروب وخصومات، فاشتركت تلك القبائل اليهودية في هذه الحروب، وانقسموابها على أنفسهم، ونسوا ما بينهم من رابطة الجنس والدين، فدخل بنو قريظة في حلف الاوس، ودخل بنو قينقاع وبنو النضير في حلف الخزرج.
فلم يضق الإسلام بهؤلاءاليهود بعدأن آل أمر هذا
فيما بين أهله وحدهم، بل يعمل عليه أيضا فيما بينهم وبين غيرهم، ليكون دين المحبة والصفح بين الناس،