/ صفحه 383/
الوطن، ولا يعرف حدود القومية وما إليها من الحدود، ولا يعرف العصبية للوطن أو القومية على النحو الذي كان معروفا قديما بين الناس ولا يزال معروفا بينهم في عصرنا الحديث،و إنما أتى للقضاء على هذه العصبية لتزول فيه كل
عصبية إلاعصبية الدين، وتذهب كل أخوة إلا الاخوة في الإسلام.
نعم قد يظن كثير من الناس هذاكله، بل يظن أكثر منه، فيظن أن الإسلام قد جعل المسلمين بعضهم أولياء بعض، وجعل غير ا لمسلمين بعضهم أولياء بعض، فقطع ما بين المسلمين وغير المسلمين فلا يكون بينهم رابطة أصلا، ولا يكون هناك رابطة وطية تجمع بين المسلمين وغير المسلمين، ويؤيد هذا بقوله تعالى في الايتين 72 - 73 - من سورة الانفال: "إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنو ولم يهاجر وما لكم من ولايتهم من شي ء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير، والذين كفروا بعصهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير".
والحق أن هذا لا يفيد من بظن هذا كله في شىء، لانا إذا حملنا الولاية في الايتين على ولاية الارث كما ذهب إليه بعض المفسرين، كانت في موضوع آخر غير موضوعنا، وهو ولاية المواطن للمواطن، وإن كان أحدهما مسلما والاخر غير مسلم وكذلك الأمر إن حملنا الولاية في الآية على غير ولاية الارث، كما ذهب إليه كثير من المفسرين، لان من حملها على الارث ذهب إلى أنها منسوخة بقوله تعالى بعد الايتين السابقتين: "وأولوا الارحام بعضهم أولي ببعض" والحكم بأذن ذلك صار منسوخاً بآية أخرى مذكورة معه في غاية البعد، وهذا إلى أنه لا ضرورةُ تدعو إلى حمل الولاية على الارث، لان لفظها لا يفيد
إلا بشأنه مخصوصاً بمعاونته ومناصرته،و المقصود أن يكونوا يداً واحدة على الاعداء،