/ صفحه 361/
أمر اجتناب للمباحات إذلالا للنفس، وإنما هو أمر تقوى وإيمان وإحسان فليس على المؤمنين المتقين المحسنين جناح فيما طعموا من الحلال، ولا يعتبرون في شرعة الإسلام ناقصين أو ملومين بأنهم لم يترهبوا ويتزهدوا.
ترجيح رأي أهل البيت في معنى الآية وأدلة هذا الترجيح:
و المعني الاخير هوالثابت عند أهل البيت (عليهم السلام)، فهم يفسرون الآية بقولهم: "فيما طعموا" أي من الحلال، وقد ذكر هذا الرأي الطبرسي في كتابه (مجمع البيان) وإنى أميل إلى ترجيح ذلك لاسباب:
منها أن التعبير في الآية جاء بلفظ "فيما طعموا" وهذا اللفظ أقرب في إفادة معنى الاكل، ولا يستعمل في الشرب إلا إذا ضمن معني "ذاق" وقد صرح بذلك صاحب لسان العرب، فذكر أن طعم بعمنى أكل الطعام، وأنه إذا جعل بمعني الذوق، جاز فيما يؤكل ويشرب، واستشهد له المفسرون بقول الشاعر:
فإن شئت حرمت النساء سواكم * * * وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
النقاخ بالضم: الماء البارد، والبرد: النوم قال الزمخشرى: ألاترى كيف عطف عليه البرد وهو النوم؟ ويقال: ما ذقت غماضا. 1 و(راجع تفسير الكشاف عن قوله تعالى في سورة البقرة "و من لم يطعمه فإنه منى"
ومن هذا يتبين أن الطعم في اللغة لا يدل على الشرب، وإنما يدل على الاكل، وقد يستعمل بمعنى ذوق المشروب، أي إدراك طعمه واختباره، وإذن فالمراد الاتيان بقاعدة عامة إنشائية يعلم بها أن أساس الأمر في الشريعة، إنما هو الايمان والتقوى والاحسان كما قلنا، لا الترهب وتعذيب النفس، ولو كانت الآية نازلة في أمر الذين شربوا الخمر قبل تحريمها وماتوا وهي في بطونهم لكان المعنى قاصراً عن ذلك لان الآية إنما بينت حكم من طعم الخمر، والخمر شراب، فالمعني ليس على الذين آمنوا جناح فيما ذاقوا أي وضعوا في مقدمة أفواهم لإدراكه واختباره كما هو الاستعمال اللغوى لطم
بمعني ذاق، ولا شك أن هذا معني غير مراد، ولم يفهمه أحد من الصحابة وهم عرب فصحاء يفهمون الفصيح من الكلام.