/ صفحه 360/
و قد اختلفت الروايات في سبب نزول هذه الآية، فمنها ما يقرر أن سبب نزولها هو أن الصحابة لما نزلت آية الخمر السابقة قالوا يا رسول الله: ما تقول في أخواننا الذين مضوا وهو يشربون الخمر ويأكلون الميسر، فأنزل الله هذه الآية هذا هو المروى عن ابن عباس وانس بن مالك والبراء بن عازب ومجاهد وقتاده والضحاك، وفي بعض هذه الروايات تنظير لهذا بتحويل القبلة، حيث قال ناس: يا رسول الله، إخواننا الذين ماتوا وهو يصلون إلى بيت المقدس، فأنزل الله: "و ما كان الله ليضيع إيمانكم".
و من الروايات ما يذكر إن الذين سألوا أو تساءلوا عن ذلك هم اليهود، لا الصحابة، روى الحافظ أبوبكر البزار في مسنده عن عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبدالله يقول: اصطبح ناس الخمر من أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وثم قتلوا شهداء يوم أحد، فقالت اليهود: فقد مات بعض الذين قتلوا وهي في بطونهم، فأنزل الله: "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا..." الخ.
و من الروايات ما يذكر أنها نزلت في القوم الذين حرموا على أنفسهم اللحوم وسلكوا طريق الترهب كعثمان بن مظعون وغيره، فبين الله لهم أنه لا جناح في تناول المباح مع اجتناب المحرمات، وبذلك تكون هذه الآية مرتبطة بالنداء السابق على هذا كأرتباطها بهذا النداء.
و هذا الاختلاف في سبب النزول لا يضرنا، فقد علمنا أن له حلا، وهو أن قول الرواية إن آية كذا نزلت في كدا، ليس معناه دائماً أن نزولها كان مباشراً لهذا الذي تذكره، فقد يكون مراد القائل أنها نزلت شاملة لحكمه، أي أن الله قد أنزل آية تدل على هذا الحكم أو على جواب هذا السوال.
ولنا، على هذا، أن نفهم أن الصحابة سألوا يريدون الاطمئنان على إخوانهم الذين سبقوهم، وأن اليهود أيضا تساءلوا ارجافا على القرآن وعلى المؤمنين، فلا تنافي بين هذا وذاك، وأن الآية بعموم حكمها مبينة لمن ترهبوا أن الأمر ليس