/ صفحه 362/
و من أسباب الترجيح أنني قد أفهم أن اليهود يرجفون على القرآن بمثل هذا السؤال فيستشكلون وهم عارفون أن الذين شربوها إنما شربوها قبل تحريمها.
وهذا ماورد في بعض الروايات، ولكنه غريب لم يجى ء إلا في رواية واحدة، أما الصحابة فكيف يمكن أن يستشكلوا بذلك على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ؟ أفاتهم أن تحريم طارى ء وأن الله لا يؤاخذ على ما قد سلف؟ أم حرصوا على إبطال هذا الحكم وتحايلوا بذلك على التخلص من الاعتراف بالتحريم؟ نعم قد يقال إن الله تعالى لماأخبر عن الخمر والميسر وما عطف عليها بأنها رجس من عمل الشيطان; فهموا أن كونها رجسا، وكونها من عمل ا لشيطان ثابت لها وإن لم تحرم، فسألوا عن شأن من ماتوا وهي في بطونهم، قد يقال هذا تبرير سؤالهم، ولكنه تبرير ضعيف، لانهم يعلمون أن أحد لا يؤاخذ قبل التكليف، ولو كان قد تناول الرجس وملأ منه بطنه "و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا".
و من أسباب الترجيح أيضاً أنه لو كانت هذه الآية استثناء للذين شربوا الخمر قبل تحريمها وماتوا لكان هذا الاستثناء بلفظ قاصر عن إفادته، لانه لم يقل: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما كانوا قد طعموا ـ مثلا، ولا: ليس على الذين آمنوا وسبقوا إلى ربهم جناح فيما طعموا، ولكن الكلام يبدو عاما لا يراد به جماعة من المؤمنين دون جماعة، ولاسيما والآية تقول: إذا ما اتقوا ولا تقول: لانهم فعلوا ذلك وقد اتقوا، وإذا كانت الآية عامة فإنها تثير شبهة في نفوس بعض الناس قد تحملهم على شربها متأولين بأنهم متقون مؤمنون.... الخ.
وقد حدث هذا فعلا ففهم بعض الناس على عهد عمر ذلك ـ ومنه ما روى أن أناساً شربوا بالشام الخمر فقال لهم يزيد بن أبى سفيان: أشربتم الخمر؟ قالوا نعم بقول الله تعالى: "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا"
الآية فكتب فيهم إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه: (إن أتاك كتابي هذا نهارا فلا تنتظر بهم إلى الليل، وإن أتاك ليلا فلا تنتظر بهم نهارا، حتى تبعث بهم إلى لئلا يفتنوا عبادالله، فبعث بهم إلى عمر، فشاور فيهم الناس، فقال لعلي ماترى؟
قال أرى أنهم قد شرعوا في دين الله ما لم يأذن الله فيه، فإن زعموا أنها حلال