/ صفحه 359/
فإنه في قوة أن يقول: كيف يعرض المؤمن نفسه وما عسى أن يرزقه من بنين وبنات ثمرة لهذا الزواج إلى خطر الارتماء في أحضان الشرك المفضى إلى النار؟ وهل مثل ذلك في نظر العقلاء إلاكمثل امرىء يلقى بنفسه طائعاً مختاراً في نار حامية يدعوه إليها داع؟ لا شك أن الحزم هو الابتعاد عن النار ومن يدعو إلى النار، والتماس الحياة في كنف آمن غير هذا الكنف.
و الآية بهذا أيضاً تخاطب العقل حيث يلتمس الانسان في الزواج المجانسة والمؤانسة والامن والسكن والذرية التي تكون ملائمة له معينة على لاواء الحياة، وكل هذا إنما يتوفر في زواج متناسب بين مؤمن ومؤمنة لابين مشركة ومؤمن ولابين مؤمنة ومشرك وهي أيضاً تخاطب العاطفة حيث توازن بين دعوة المشرك إلى النار، ودعوة الله إلى الجنة والمغفرة.
وإنما أطلنا بعض الاطالة في هذا لنجلى معنى يجب أن يعرفه أرباب القانون والتشريعات الوضعية، ليعلموا أن هذا سر من أسرار نجاح التشريع القرآني وخلوده، وأن سياسته هي خير سياسة، وحكمه هو أحسن حكم "و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون"؟
بعد هذا نعود إلى ما كنا فيه فنقول: "إن الذي جرنا إلى هذا الحديث هو مجي ء قوله تعالى: "و أطيعو الله وأطيعو الرسول...." الخ. بعد الآيتين السابقتين اللتين بين فيهما أوصاف الخمر والميسر وشرورهما ومفاسدهما في المجتمع، فهي خطاب لعاطفة المؤمنين بعد مخاطبة عقولهم، وفيها تحذير لهم، وإنذار بالتخلي عنهم، وتركهم لانفسهم وما اختاروا بعد البلاغ المبين.
نفي الجناح عن المؤمنين فيما طعموا: سبب
نزول هذه الآية فيما رواه الجمهور وغيرهم.
جاءت بعد ذلك آية كريمة متصلة بهذا النداء هي قوله تعالى "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين".