/ صفحه 358/
جميعاً أهل وطن واحد، وبينهم وشائج قربي، وصلات معاملة، وأنواع من الصداقات والتعارف، فإذا أراد مسلم أن يتزوج، ووقع اختياره على مشركة; فليس هذا بعيداً، وربما طغت عليه عوامل الرغبة والحرص على إتمام هذا الزواج، فلم يلتفت إلى الناحية الدينية، فلما حرم الله زواج المشركين والمشركات قرنه بأمرين:
أحدهما: الاشارة إلى أن الاختيار الزوجي لم تقصره الطبيعة على ناحية معينة حتى يشعر الانسان بأنه إذا لم يفز ببغيته، ويحقق طلبته من هذا الافق بالذات فإنها لا تتحقق، فإن في أفقه المشارك له في العقيدة والرأي فرصا للاختيار، يتحقق بها مطلبه إذا لم يكن يريد التعنت، فيمكنه أن يجد زوجات مؤمنات، وأزواجا مؤمنين، وإذا كان في جانب المشركين والمشركات شيء من عوامل الاغراء والترجيح أثار في نفسه الاعجاب، فليذكر أن الايمان صفة ترجح سائر الصفات عند الموازنة، فلو أن أمة مؤمنة وزنت بامرأة مشركة لكان لها في نفس المؤمن رجحان وإيثار: ولوأن عبداً مؤمناً وزن برجل مشرك لكان له في نفس المؤمنة رجحان وإيثار، والآية بهذا تعمل على إقناع المكلفين بالحكم من جانبين: جانب لفتهم إلى "خيرية" المؤمن، لانه آمن وما كان إيمانه إلا لانه أدرك الحق فهو ذو عقل، وأنه لم يستكبر على الحق الذى أدركه فهو ذو حكمة، ولم تصرفه عنه عوامل المنفعة الشخصية، فهو ذو تضحية، وذلك ما لم يتوافر في المشرك الذي لم يدرك، أو أدرك وكابر، أو بخل بالتضحية، ولاشك أن الزوج الذي تتحق له صفات الادراك والحكمة والتضحية، ولاشك هو الزوج الافضل، وأن الزوج الذي يحرم هذه الصفات هوالزوج الادني، والجانب الآخر أن الآية بهذا تثير فيهم نخوة الايمان، وتقابل بها نخوة المعاظمة والمكاثرة والتفاخر بالزوجية والصهر، ولاشك أنها تصيب من ذلك هدفها، فالقوم مؤمنون لا يعدلون بإيمانهم شيئاً من أعراض هذه الحياة.
الأمر الثاني: من الامرين اللذين اقترن بهما تشريع هذا الحكم: ماوصف الله به المشركين والمشركات في هذا المقام حيث يقول: "أولئك يدعون إلى النار"