/ صفحه 356/
لا تنتج خيراً، بله الخلافات الخبيثة التي يثيرها الخبثاء، والتي تلد الشر والاثم والقطيعة وما نهى الله عنه من العداوة والبغضاء، وهذا ما بينه رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث له إذ يقول "إن فساد ذات البين هي الحالقة" لا أقول حالقة الشعر، ولكن أقول حالقة الدين".
أسلوب القرآن في الجمع بين مخاطبة العقول ومناشدة العواطف:
وبعد هذا البيان الالهي للخمر والميسر ومالهما في الناس من أثر سىء، يقرع الله أسماع عباده المؤمنين بهذا التحذير القوى، فيقول لهم "و أطيعوالله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين".
و هذا هو أسلوب القرآن دائما: يجمع بين مخاطبة العقول، ومخاطبة القلوب، ويورد الناس دائماً هذين الموردين ليحملهم على الطاعة بإذاقتهم فوائدها العملية المادية، وفوائدها الروحية المعنوية، ثم ليجارى المكلفين الذين تختلف أمزجتهم، فمنهم من ينصت إلى دواعي العاطفة، ومنهم من يعرض كل قضية على عقله، ويطلب فيها حكم الواقع السليم دون تأثر بالعاطفة.
و لو ذهبنا نستقرى ء مواضع التشريع في هذا الكتاب الخالد لو جدنا الجمع بين هاتين الناحيتين من ظواهره الواضحة: يعلل ليقنع، ثم يناشد ليطاع، ولا بأس بأن نضرب بعض الامثلة التي تؤيد مانقول، وتوضح السبيل أمام الناظر في هذه الناحية من نواحي عظمة التشريع القرآني.
مثالان لهذا الاسلوب في شرحهما فوائد:
فمن ذلك قوله تعالى في سورة البقرة "و يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. نساؤكم حرث لكم، فأتوا حرثكم أني شئتم وقدموا لانفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين"