/ صفحه 355/
بأسلوب قوى مؤثر، وذلك قوله تعالى: "إنما يريد الشيطان" إلى آخر الآية، حيث ذكر العداوة والبغضاء، وهما جماع أسباب القلق والاضطراب والشقاء، وألوان البلاء، وذكر الصد عن ذكر الله وعن الصلاة فمس بذلك عاطفة الايمان في المؤمنين وأثار اشمئزازها ثم خاطبهم بهذه الجملة الاستفهامية الرائعة في معناها التي من شأنها أن تهز المؤمنين: "فهل أنتم منتهون؟" كأنه يقول لهم: أنا ربكم وخالقكم، والعالم بما ينفعكم وما يضركم، وقد أرخيت لكم في حبل النظر والتأمل، ولم أنتزعكم من عادتكم انتزاعا، ولكن أمهلكتم امهالا، ومهدت لكم تمهيدا، ثم بينت لكم بيانا، وأكدت لكم توكيدا، فهل أنتم بعد هذا كله مستجيبون لي، متبعون لامرى، نازلون على تشريعي؟ ولدلك وردت الاخبار الصحيحة بأنهم بادروا حينما سمعوا هذه الآية بقولهم: انتهينا انتهينا!
استطراد توحي به الآية لفائدة التقريب:
و أحب أن أستطرد بذكر شيء يتردد في خاطرى في هذا الموضع، قبل أن أنتقل إلى نقطة أخرى: ذلك أن الله سبحانه يخوف المؤمنين تخويفا شديدا حينما يقول لهم "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء" ويجعل ذلك في مقدمة الاسباب التي دعت إلى تحريم الخمر والميسر لانه أهم هذه الاسباب ويشير إلى أنه اسلوب من أساليب الشيطان، ومن عمله وافتنانه في الكيد للانسان، وأنه أخر أسباب القلق في المجتمع، فليس خطره على الفرد في نفسه أو ماله أو عقله أو صحته فحسب، ولكن خطره الأول والاشد على المجتمع وهذ ما يفيده التعبير بقوله "أن يوقع
بينكم" فهذه "البينية" يجب أن تظل بمنأى عما يفسدها، وعن كل بذرة من بذور السوء في أرضها، لان الشارع الحكيم يستهدف ذلك في تشريعه، ويعمل عليه في أحكامه، ويلفت إليه نظر المؤمنين في تعليله، فإذا أردنا أن نعبرعنه بلغة العصر، فلنا أن نقول إنه من الاحكام الاساسية، والمبادىء التي يجب أن تراعى في كل حكم، وفي كل قانون، وفي كل معاملة، وإذا كان الأمر كذلك فكل ما يؤدى إلى إفساد ذات البين في المسلمين، فهو حرام حرمة الخمر والميسر، فلندع جو المسلمين صافيا، لانكدره بإثارة الخلافات العقيمة التي