/ صفحه 354/
و إنما للعبرة في كون الشى ء خيرا برجحان جانب الخير فيه على جانب الشر، والعبرة في كون الشى ء شرا برجحان جانب الشرّ فيه على جانب الخير.
ثم تقدم التشريع خطوة أخرى في سبيل التحريم جاءت على إثر حادثة الرجل الذي قرأ في صلاته فخلط، فنزل قوله تعالى: "يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ماتقولون" فكانت هذه الآية سبباً في أن يقلع كثير من المترددين عن الخمر والسكر، لانهم نهوا عن قرب الصلاة وهم سكارى، والصلاة هي العبادة الأولى في الإسلام، هي المناجاة للرب جل وعلا في اليوم خمس مرات، هي النهر الذي يغتسل فيه الناس كل يوم عدة مرات من أدرانهم كما جاء في بعض أقوال الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وهي بعد هذا كله فرصة كل مؤمن للاجتماع بالرسول والاقتداء به والانتقاع بما يدعو به لمن صلي معه.
إلى غير ذلك، فكأنه عز عليهم أن يحرموا ذلك كله من أجل الخمر التي تذهب بعقولهم، وتحول بينهم وبين أعظم غنم في نظرهم، فلهذا كف كثير منهم، وإن كان آخرون اكتفوا بأن يكفوا عنها في الاوقات التي تمنعهم من أداء الصلوات، وأن يشربوها في أوقات أخرى، فلما تهيأت النفوس تمام التهيؤ، وكثرت المفاسد والشرور الناجمة عن هذين الامرين في المجتمع، جاء التشريع الحاسم القاطع، فنزلت هذه الايات التي نفسرها: "يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر..." الخ.
قصر هماعلى وصف الرجس، بعد أن كان يشير إلى ما هو شائع عندهم من منافعهما الضئيلة، ثم أمر بأجتناب ذلك
الذي هو رجس من عمل الشيطان، بعبارة حاسمة هي قوله "فأجتنبوه" بعد أن كان يشير إلى هذا دون نص عليه، وكما مهد للحكم بوصف المحكوم عليه بأنه "رجس" ومن عمل الشيطان" اتبعه ببيانين، أحدهما إجمالي يبين الغرض من التشريع وهو قوله "لعلكم تفلحون" أي إنما شرعنا لكم اجتناب ذلك رجاء أن تفلحوا، والفلاح لفظ واسع المدلول، لايدع شيئاً من أسباب السعادة والطمأنينة والرضا والعافية إلا شمله، والآخر تفصيلي يوضح به كون هذه الاشياء "من عمل الشيطان" مبرزاً آثارهما السيئة في المجتمع