/ صفحه 353/
الناس حتى شعروا بآثرهما السيئة في ا لمجتمع وبما لهما من مفاسد وبما ينجم عنهما من شرور، وكان من آثار هذا أن حدثت حوادث من السكر مثلا خرج فيها الشاربون عن طورهم، وما يجب عليهم من الوقار، واحترام ذوى الاقدار فيهم، وأن صلّى بعضهم صلاة فخلط في قراءته فيها خلطاً شنيعا، وقد أدت هذه الحوادث إلى أن يتكون في المسلمين شعور نفسى وإحساس قلبى، وبضرر الخمر والميسر، وإلى أن يتطلعوا إلى معرفة حكم الله فيهما، فتمت بذلك حكمة الله تعالى في أن يأتي التشريع متطلباً والنفوس إليه متطلعة، والاعناق مشرئبة، وذلك سر من أسرار بقاء التشريع الإسلامي ورسوخه، لان التشريعات التي تفرض فرضا قبل أن يشعر المجتمع بحاجته إليها، وقبل أن يدرك المفاسد والشرور التي تعالج بها، أقول: إن مثل هذه التشريعات تأتى مصادمة للناس، فتولد فيهم روح المعارضة لها، والنفرة منها.
وقد ظهر في المجتمع الإسلامي قبل تحريم الخمر والميسر نزوع إلى هذا التحريم وتطلع إليه كثير من العقلاء، وجعلوا يسألون الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن حكمها، وهذا ما تشير إليه أول اية نزلت خاصة في ذلك وهي قوله تعالى في سورة البقرة: يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمها أكبر من نفعهما" وصف الاثم بانه كبير، وعبر عن المنافع بعبارة تشعر بهوآنها، وقلة جدواها، ولكنه على كل حال لم يصادم الناس بانتزاعهم مما
هم به، أو أكثرهم، مقتنعون، بحكم العادة والالف، وكأنه يريد منهم ان يدركوا بأنفسهم أن هذه المنافع لا تذكر بجانب الاثار السيئة، والمضار الكبرى، وترك لهم الفرصة حتى يتبينوا ذلك، ويؤمنوا به إيمانا عميقا، فكان هذا الطور من الاطوار التشريعية بمثابة تمهيد وإعداد، وقد فهم بعض الناس من هذه الآية تحريم الخمر والميسر فكفوا عنهما، لانهم أدركوا أن النفع القليل لا يقام له وزن بجانب الضرر الكبير، والاثم العظيم، وذلك لان كل ما في الحياة له جانبان: جانب خير، وجانب شر، ولا يكاد يوجد شيء هوشر كله، ولاشيء هو خير كله،