/ صفحه 352/
و كل هذه المواضع يبدو فيها أن المراد بالرجس الرجس المعنوى، وفي القرآن الكريم موضع واحد أطلق فيه الرجس على ما يبدو أنه رجس حسي، وذلك قوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إلى محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس" على إعادة الضمير في قوله "فإنه رجس إلى جميع ما تقدم ذكره في الآية".
ومن هذا يتبين أن الرجس معنوى وحسي، وأن أكثر ما عبر عنه في القرآن الكريم بالرجس أشياء لا يبدو فيها الرجس الحسي، ولهذا حمل الرجس في آية الخمر على القذر المعنوى لا الحسى، ورد بذلك قول من استدل به على أن الخمر نجسة العين، ولاسيما وقد عطف عليها الميسر والانصاب والازلام: وهي مسألة خلافية فيها استدلالات أخرى، وكون الخمر رجسا معنويا ظاهر من آثارها السيئة وما تجره من مضار خاصة وعامة، وهو ما أشارت إليه الايات فيما بعد بنوع من التفصيل، وكذلك القول فيما عطف عليها من الاشياء الأُخرى، وهي الميسر والانصاب ولازلام .
وقوله تعالى: "من عمل الشيطان" بيان وتوضيح لكونها رجسا، فإن الشيطان يزينها للناس ويوحي إليهم ابتداعها وإنشاءها والافتنان فيها.
تدرج التشريع القرآني في تحريم الخمر
والميسر وبيان الحكمة في هذا التدرج:
بعد ذلك يأتي الأمر الصريح باجتنابها مشفوعا بتعليلين، أحدهما إجمالي وهو قوله تعالى: "لعلكم تفلحون" والاخر تفصيلي، وهو قوله تعالى: "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء" الخ.
و يحسن بنا أن نقف هنا وقفة نتأمل فيها موقف التشريع القرآني من الخمر والميسر، وتدرجه حتى انتهي إلى تحريمهما صريحا بهذه الآية، منتفعين بما في ذلك من عبر.
فمن المعروف أن القرآن الكريم لم يحرم الخمر والميسر ابتداء ولكن ترك