/ صفحه 34 /
إن سيرة رسول الله وصفاته هي سنة من السنن الإسلامية يجب أن يأخذ بها المسلمون لتكون نبراساً لهم فيما يكون عليه ولي الأمر من صفات حتى يحقق المثل الصالح للمحكومين، وقد دلنا التاريخ على أن الحاكمين إذا انحرفوا عن جادة الحق، ولم يكونوا المثل الصالح لطهارة النفس وحسن السيرة والتضحية في سبيل منفعة الشعب، كان ذلك مضيعة للأمم وسبباً في انهيار الشعوب وممالكها .
قد يتصور من ولي الأمر أن يشتد على نفسه، ولكنه في العادة قد يضعف أمام ذويه، وينحرف مرغماً بحكم العاطفة الطبيعية ارضاء لأهله أو بنيه، ولكن رسول الله قد نهانا عن الانقياد لهذا الضعف الإنساني بأمثلة هي أيضاً سنة في الإسلام يجب أن يعيها المسلم، فقد اقترفت سيدة من قريش هي فاطمة المخزومية جريمة السرقة واعترفت بما اقترفته، ولم يكن لها ما يبرر اقتراف هذا الجرم، وكان على الرسول أن ينفذ فيها حكم الله رغم مكانتها في قريش، فأتى إليه الناس يلتمسون العفو عنها، لكن الرسول الأمين أجابهم بقوله: "إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" .
وقد يشتد المرء على نفسه، ويشتد على بنيه في تنفيذ الحق والعدل، ولكنه قد يضعف أمام زوجته لما يكنه عادة لها من دواعي الحب والإشفاق، وهنا أيضاً ظهرت قوة الأمين في تنفيذ دستور الله غير مراع دواعي قلبه حتى يكون ما عمله سنة للناس أيضاً، فلقد فطن زوجات الرسول إلى مكانته في القلوب وسلطانه على النفوس، وأن أموال المسلمين بين يديه وتحت أمره في الحدود التي رسمها له الله، ورأين وهن بهذه المكانة أن يتميزن عن غيرهن من النساء في المعيشة والزينة، فطلبن من الرسول ذلك وألححن فيه، فنزل قوله تعالى: "يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً، وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيما" .