/ صفحه 32 /
هل هو حاكم فرد ـ أي (أوتوقراطي) بالمعنى السابق ذكره؟ أو هو (دكتاتور) ينفرد بالأمر دون رقيب أو
حسيب؟ وهل هو (ديموقراطي) بالمعنى الذي نفهمه مما أسلفنا، أو (ديماجوجي) أو هو غير ذلك مما قد برد على الخاطر؟.
إنه عليه الصلاة والسلام ليس هذا ولا ذاك، إنما هو رسول اجتباه ربه ليبلغ رسالته، وأوحى إليه دستوراً هو القرآن الكريم، وائتمنه على تنفيذ أوامر هذا الدستور ونواهيه; يرعى هذه الأُمة في حياته بتنفيذ ما ورد في الكتاب الكريم ويترك لهم بعده هذا الدستور على المنهج الوارد به وبما فسره به، صلوات الله عليه من طرائق التفسير والتنفيذ .
عظم شأن رسول الله بين المسلمين وبهرت عظمته نفوسهم، وساعد على ذلك ماضيه الطاهر، وشهرته بالأمانة، وحسن سيرته، وسمو أخلاقه، فنزل الوحي يحذر الناس من أن يتجاوزوا به مركزه عند الله وعند الناس: "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد" "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" "إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر" .
لكن عظمة الرسول الكريم بائتمانة على الوحي وبشخصيته كانت كبيرة تتزايد بمرور الزمن، حتى كان المسلمون يقفون لمقدمه إجلالاً واحتراماً، فكان ينهاهم عن ذلك، ويقول لهم: (لا تعظموني كما يعظم الفرس ملوكهم) .
توالت الأيام وعظمت قوة الرسول، وفي هذا إغراء للنفوس الصغيرة بالسطوة وقوة الجاه والعظمة، فلم تزحزح هذه المغريات تل النفس العظيمة عما رسم لها من تبليغ رسالة الله للناس على النحو الذي أراده الله، وقد ظنوا أن العظمة تغري بعض النفوس بابتغاء السلطة الفردية، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم واجههم بقوله: (لست ملكاً ولا جباراً وإنما أنا ابن امرأة من مكة كانت تأكل القديد) وذكرهم بقوله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم" .
فانظر: لقد كان للنبي أن يفاخر بأبيه وجده وأنه من قريش، بل من سادة قريش، أولئك الذين لهم مركزهم المعروف، ولكنه يغضي عن مباهاته بآبائه