/ صفحه 316/
من ملاحظته وعقله وتجربته وحكمته اليمانية ما يؤهله أن يقع من ابنه موقع المعلم من التلميذ.
قال المحدث: وقطع عليهما حوارهما ذلك الصباح هتاف هبط عليها من (أبي قيس) كما هبط على غيرهما، وعلى غير بيتهما، من متحدثة (مكة) وأنديتها، وقطع من الاحاديث كلها ما قطع من حوارهما ذاك، وأنصتا فاذا الهتاف يهبط من (أبي قبيس) نقياً صافيا حاراً مثيرا يبعث الروع والروعة جميعاً، وتابعاه بكل حسهما، وبما اقشعر من بدنيهما، فإذا هو يردد هذه الابيات في نقاء وصفاء وحرارة وإثارة:
يا للرجال لمظلوم بضاعته * * * ببطن مكة فائي الحي والنفر
و محرم أشعث لم يقض عمرته * * * يا أهل (فهو) وبين الحجر والحجر
هل منصف من بني (سهم) فمرتجع * * * ما غيبوا؟ أم ضلال مال معتمر
قال عمار: أرأيت ـ إلى ماحدثتك عنه من سفه هؤلاء؟ لقد بلغت الشكوى منهم رؤوس الجبال:
فقال ياسر: ما شككت ـ يا بني ـ أن طفولتك تنفتح عن شباب رشيد، ولكن احفظ عني ما أمرتك به في صدر حديثى آنفا، وأنهض الآن فاقتص لنا أثر هذا الخبر، ما خطب هذا الهاتف يصابح (مكة) بهذه الشكوى المرة؟ وما عسي (مكة) أن تردد على هذا المظلوم من مظلمته الصارخة؟
و لما عادالي ياسر قال لابيه: لم يخطيء علمك ببني هاشم من صلاحهم شيئا. كان الهاتف رجلا من (زبيد) أقبل إلى الحاضرة ببضاعة ثمينة ابتاعها منه أبو عمرو العاص بن وائل السهمي، فآواها إلى بيته ولما يدفع ثمنها لاخي زبيد، ثم غيب وجهه، ويطلبه الزبيدى فيعجزه الطلب، ويبتغي متاعه فيمتنع عليه المتاع، ويلتمس بني سهم يشكو إليهم أخاهم فلا يجد وجوها، بل يجد أقفية، ويبلي في طلب حقه بلاء حسنا، فيطوف على أندية قريش من ظهراء (سهم) فلا يجد غير اعتصاب على الاعتصاب، وغير ممالاة على الغزو المجرم، وغير عفو من الجميع عن العاص