/ صفحه 305/
و تحرك منه في هؤلاء وهؤلاء ما تحرك من عزم ونشاط ونفاذ وحيوية وتوقد ومضاء. وكم يافع منطفيء الجذوة كليل الحد تسقطه الفتوة من حسابها وإن أعجبك منظره، وكم معمر متوهج الجمرة مشبوب الهمة تحتضنه الفتوة الاصيلة، و
إن نبا في العين مظهره.
و كانت الفتوة تزيد في صاحبنا على نفسها في غيره زيادة مضاعفة. كان لا يشك هو ولايشك معه عدوه ولا صديقه في أن لسيفه ميزة، فإذا أهدت السيوف إلى خصومها ضربا واحداً من الموت، فان سيفه يهدى إلى خصمه وخصم صديقه ضربين: أيسرهما فناء الجسد، وأشقهما لعنة الابد. ثم كانت تضاعف فتوته ميزة أخرى لنفسه كميزة سيفه.
كان يعلم هو وعدوه وصديقه لا يجهلان أنه مع الحق سلم أو قتل، وأن خصمه مع الباطل انتصر أو خذل، وأية حماسة ادعي للفتوة من حماسة إيمان تهدى إلى عدوها موتين أحدهما أخزى من الاخر، وتدخر لصديقها حياتين أخراهما أبقي من الأولى؟
كهولة حرة برة بكرت بكهلها على الإسلام، قدمته أحد سبعة سابقين أولين، فنهض بأجسم أعباء الرسالة وأشقها، نهوض جهاد متصل، وتضحية صابرة، وكفاح مر.
و شيخوخة لم تقصر عن كهولها حرية ولا برا، قدمت صاحبها طليعة وفاء لروح الإسلام، فكان من الاحاد الأول الناهضين بأعباء الرسالة، نهوض جهاد متصل، وتضحية صابرة وكفاح مر، فما التقت جبهتا صراع إلا كان (علامة هدى) في إهداهما سبيلا، وأعدلهما قضية.
كان في عهد النبي صلى الله عليه ليه وسلم راية للمؤمنين لم يتفقدها الرسول في محنة قط، إلا وجدها رفافة تقتحم الهول على (الشرك) عنيفة به صامدة لعنفه.
ثم ظل بعد النبي رأية للمؤمنينن لم يتفقدها روح الرسول في محنه قط إلا وجدها هناك رفاقة تقتحم الهول على (الردة) عنيفة بها صامدة لعنفها.
قال المحدث: هذا كله جعل من (عمار) بن ياسر (علامة هدى) يموت