/ صفحه 306/
من يموت إلى جنبه موقناً أنه غاد إلى الجنة، ويهلك من يهلك إلى جنب عدوه، موقناً أنه رائح إلى النار.
و كان (عمار) يقول عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "ثلاث خلال من جمعهن جمع الايمان كله: الانفاق من الاقتار، والإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم". وكان ـ ما عاش ـ هذه الخلال الكريمة نفسها، فما رأيناه بشراً من الثر، ولكن رأيناه الايمان بخلاله الثلاث هذه، يتحرك بين ا لناس عطاء وإنصافا وسلاما. هو العطاء والانصاف والسلام محاربا كان أو مسالما.
حليف محزوم:
أسمر اللون، عجنت طينته بمسك، مديد القامة ولد من عائلة الرماح، بعيد مابين منكبيه، صبغ تجسيداً للمهابة، أشهل أصلع، "في مقدم رأسه شعرات، وفي قفاه شعرات" ـ كما قال معاصره القصاص ذو الأداوة.
طويل الصمت كأنما تحدثه الملائكة، سديد الرأي لا يخدع عن الصواب، راجح العقل "ما خير بين أمرين إلا اختار أيسر هما" ـ كما وصف رسول الله ـ زكي النفس، سخي اليد، هباب للحق، جرىء به، لا يلوى فيه، ولا يصرف عنه.
و لد في حى بنى محزوم من (مكة) سنة 570 م أو نحوها، فقد كان تربا للنبى صلى الله عليه واله "فسميه" بنت خياط، وكانت أمة لابى حذيفة سيد بني مخزوم، ولم تكن في أماء قريش أمة مثلها حرة في ذكاء القلب، وصحة العقل، وملاحة الوجه، وعفة النفس، وطهارة الذيل.
و أما أبوه فياسر بن عامر، عربي عنئسي مذحجي قحطاني يماني. أقبل من اليمن مع أخويه: مالك والحارث، يلتمسان أخا رابعا لهم كان قذف به قدر من أقدار الحياة الكثيرة المصطلحة يومذاك على اليمن تفرق أهلها، وتبعثرهم هنا وهناك، وتنفرهم من وطنهم الذي ألح عليه الجفاف، وابتلاه فساد الحكم بالقحط والمحن، والبطالة ونضوب العيش، فيهاجرون منه أفراداً، ويهاجرون منه جماعات بحثاً عن الرزق، وتنقيباً عن العمل.