/ صفحه 290/
ولكن هذا الفرق في التفكير بين الغرب والشرق لا يمكن للغرب من الانتفاع بالشرق طويلا، ما دامت هناك قوة ثالثة كامنة في الشرق وهي القوة الروحية، أو القوة الإسلامية، بجانب القوتين الاخريين، وهما القوة المادية الممثلة في الامكانيات العديدة من بترول ومعادن النحاس والقصدير وغيرها، ومحصولات الزارعة من مطاط وقطن وأرز و
غيرها، والقوة الأُخرى البشرية الممثلة في وفرة النسل وكثافة السكان.
و اذن ليكن من منهاج الغرب الطويل المدى في استغلال الشرق واستعماره العمل على "خلخلة" القوة الروحية في الشعوب الشرقية وذلك بالوسائل الاتية:
1 - تمكين الرسالات التبشيرية لا على أنها تبسط تعاليم المسيح (عليه السلام) في الاوساط المسيحية أو بين القبائل الوثنية، أو حتى على بعض مسامع المسلمين، بل على أنها تثير الشكوك في العقيدة الإسلامية بين المسلمين وبالاخص بين الطبقات التي لم تنل حظاً في التوجيه الإسلامي الصحيح.
و اتخذت هذه الرسالات من بعض مدارس الاوربيين ومؤسساتهم الثقافية في الشرق مجالا لنشاطها، وتسترت في ذلك وراء مسميات عامة محبوبة: كالتعليم، والتربية، والتثقيف. وحصنت نشاطها هذا بامتيازات حصلت عليها في صورة معاهدات، كما حصل في مصر وبلاد الشرق الادنى، أو بخفارة مسلحة كما كان الحال في إندونيسيا والملايو من بلاد الشرق الاقصي الإسلامي، أو كما هو واقع الآن في شمال أفريقيا، والمستعمرات الاوربية الافريقية.
2 - العمل على زيادة الفجوة بين بعض المذاهب الإسلامية وبعض، كإذكاء العداوة بين الشيعيين والسنيين: فالاحداث التي كانت تقع بين الفريقين في الشرق الاوسط لاترجع إلى تباين المذهبين، بل إلى الخطأ في أفهام أتباعهما، وإلا فكتاب الشيعة هو كتاب السنة، ورسول السنة هو رسول الشيعة.
و هذا الحظر يحدث أو يثار كلما شعر المستعمر الاوربي بوعي إسلامي عام، أو بوعي قومي محلي في الرقعة التي يستغلها.