/ صفحه 288/
دائرة الرأي والقياس في الاحكام الفقيهة، والوقوف عن التأويل وكثرته في معرفة الله، والايمان ـ بدلا عنه ـ بما ورد في هذا الشأن على نحو ما كان عليه السابقون.
و رأي أن هذا العلاج سيرد الجماعة الإسلامية إلى وحدتها، وتماسكها، وسيحفظ للاسلام قوة الايمان به في نفوس
المنتسبين إليه.
ولكن هذا الصوت الذي صاح به ابن تيمية جلب عليه التعذيب في السجن إلى أن مات فيه، كما أوجد ثورة عقلية أخرى عليه وعلى مذهبه من أتباع المذاهب التي سادت في وقته والتي وصفنا امرها سابقا.
و عندئذ استمر الحال على هذا النحو إلى أن جاء القرن التاسع عشر واتصل الغرب صاحب الحضارة الصناعية المادية بالشرق صاحب الثروات الثلاث: صاحب الثروة الأرضية مما في جوفها أو ينبت على ظهرها، وصاحب الثروة البشرية التي تتمثل في قوة النسل فيه، وصاحب الثروة الروحية التي يصورها القرآن الكريم، والتي تتركز في وحدة الالوهية، وفي وحدة البشرية، وتساوي الناس فيها بتساويهم في الحقوق والواجبات، ووحدة الفرد في ذاته وأمام غيره في جماعته بالاعتراف بحرماته ويإيجابيته فيها، وفي وحدة المسلمين وتكافئهم في هذه الوحدة بمقاومة الولاية عليهم لأجنبي عنهم في دينهم .
العامل الثالث: الاستعمار الغربي في القرن التاسع عشر:
اتصل الغرب صاحب القوة الصناعية بالشرق صاحب الثروة المادية اتصال المستعمر المستغل; المستغل لكل مصادر هذه الثروة، واضطر أن يتصل به كذلك اتصال الموجه الذي ادعى لنفسه رسالة إنسانية فيه. كي يستطيع في ظل ذلك أن يحصل على أكبر قسط من المنفعة المادية في جو نفسي للشعوب الشرقية تظلله الطمأنينة، وربما الاستحسان من قادة هذه الشعوب لتصرف المستعمرين .
وليست الفجوة بين الغرب والشرق في أن الأول يحمل قوة الصناعة الحديثة، وأن الثاني فقير منها وفي حاجة إليها، بل الفجوة الكبرى بينهما كانت في أن الغرب