/ صفحه 284/
في واقع الأمر عن طريق اعتزاز أفرادها بمقومات هذه الجماعة. ومقومات أية جماعة إنسانية تتمثل في دينها، ولغتها، وعاداتها، وخصائطها في حياتها، وفهمها للوجود الخاص والوجود العام.
فإذا انقسمت الجماعة إلى شيع وتحولت إلى أحزاب، وإذا اشتبكت شيعها وأحزابها في جدل عقلى، وتخاصمت في الرأي ـ أصبحت المقومات الاساسية للجماعة في المحل الثانى بعد آراء الاحزاب والشيع، وأصبحت هذه المقومات بالتالي وسيلة لاغاية. تتخذ منها الاحزاب مادة للبرهنة على صلاحية الآراء الحزبية وإذا احتلت الآراء الحزبية الوضع الأول في الجماعة بعد انقسامها وتحزبها، ووضعت المقومات الاساسية للجماعة في الموضع الثانى بعد هذه الاراء واستغلت لتدعيمها ـ فان الدخيل من الثقافات الاجنبية قد ينظر إليه في هذه الجماعة عى أنه السبيل الذي يستعان به،
و المصدر الذي تستوحي منه الحجة والبرهان لترجيح رأي لحزب على رأي آخر لحزب آخر. أي تصل منزلة إلى الدخيل المحبوب، أو الدخيل المرجي.
وهذه الحال للجماعة الانسانية بشقيها بالنسبة للنقاقة الاجنبية لم تتخلف عن الجماعة الإسلامية في وحدتها، وبعد انقسامها: فعندما كانت وحدتها حقيقة واقعة كان يسيطر عليها الاباء إزاء "الدخيل" على العموم، وعندما استحالت إلى جماعات، وتحول الرأي فيها، إلى مذاهب أو مدارس ـ طلبت "الدخيل" وجدت في الملاءمة بين ما هو خاص بها وما يحمله هذا الدخيل.
وإذن: إذا قيل الآن أن العصر العباسي كان المسرح الزمني لدور الثقافة الدخيلة، فمعني ذلك أن الجماعة الإسلامية وصلت عن طريق انقسامها إلى شيع وأحزاب في هذا العصر إلى الحال التي لا بد منها لكل جماعة إزاء كل دخيل، وهي حال القبول أو التعاون مع هذا الدخيل، إن لم يكن حال الاستنجاد به، أو الدفاع عنه.
و هنا في العصر العباسى برزت الثقافة الاجنبية القديمة من أغريقية وفارسية