/ صفحة 25/
لماذا لم يحكم عليه الرسول بالكفر:
وهكذا اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ضعفا فيه، ولم يعتبره كفرا ولا ارتداداً يقتضي ضرب عنقه، وذلك لأنه صدّقه حين قال ما قال ومن بيته: (وما فعلت ذلك كفراً ولا أرتداداً عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام) فهي زلة منه، تكييفها الصحيح: أنه اتخذ الكافرين أولياء فأقضي إليهم بسر المؤمنين التماساً لمصلحة خاصة له، وهو ذنب عظيم، ولكنه لم يصل إلى الكفر والارتداد، لأن الكفر إنما يكون (بالتولي) أي بوقوع الولاية الحقيقة لا بالاتخاذ الذي هو الاصطناع والتكلف، وهو محل النهي، ولما كان هذا الرجل قد شهد بدرا ـ وما أدراك بمن شهدوا بدراً ـ فقد غفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم جنايته، لما غمرها من سابقة الإحسان، ولاسيما وقد بدت توبته وأسفه وبالغ اعتذاره وكشفه عن حقيقة نفسه، دون مواربة ولا استخفاء .
عبرة المؤمنين من هذه القصة:
وينبغي أن نتعلم من هذا الموقف الذي كاد يؤدي برجل من أصحاب بدر، لولا سابقته وما وقر في قلب النبي من صدقة وتوبته ـ ينبغي أن نتعلم من هذا أن المؤمن يجب أن يكون واثقاً بالله، متوكلاً عليه، وأن يؤدي ما فرضه الله عليه، وينتهي عما نهاه عنه، غير ناظر إلى عواقب ما يفعل أو يترك، فإنه إذا كان مبتغياً بفعله وتركه وجه الله، كان الله حسبه، وإذا دار فيما يفعل أو يترك حول أوهامه في نفسه أو ولده أو رحمه اضطرب وأغضب ربه ولم ينفعه ما قدر، وفي هذا تقول سورة الممتحنة "لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم، يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير" .
وفي هذا إيحاء بخطأ الذين يخرجون عن حدودهم وما أمرهم الله به، خوفاً على أهليهم وأولادهم، فتراهم يرتكبون الأوزار، ويغضّون عن مرتكبيها، مصانعة لعيشهم، واحتفاظاً بوظائفهم أو مراكزهم في المجتمع، وضنا بأولادهم أو أقربائهم أن يصيروا إلى فقر بعد الغنى، أو ذل بعد العز، أو تقشف بعد النعيم