/ صفحه 247/
و لا شك أن هذه التفرقة فيها رحمة عظيمة، وفيها "واقعية" كما يقولون، أو نزول على مقتضي الفطرة كما بينا.
الكفارات من أعظم أبواب البر:
ولقد جعل الإسلام الكفارة في اليمين وفي غيرها بابا من أبواب البر والخير والاحسان إلى المجتمع، فهي دائرة بين إطعام الفقير وكسوته، وبين اعتاق الرقبة، وبين الصوم، فالاول ترفيه عن الفقراء والمساكين، والثاني مَنَّ بالحرية على نفس كانت مستعبدة، والثالث تهذيب وتطهير من شأنه أن يصلح النفوس ويقربها من الفضيلة.
ولا شك أن أبواب الكفارات وأسبابها التي نجب فيها كثيرة منكررة، فكم من الناس يحلفون كل يوم، وكم من الناس يخطئون كل يوم؟ فلو أن الناس عنوا حقا بدينهم، ونفذوا أحكامه في الايمان والكفارات; لوجد المجتمع ألوانا من البر والخير تنهال من كل صوب.
وجوب حفظ الايمان وما يوحي به الأمر بذلك:
و قدنهانا الله جلت حكمته ـ مع تحقيقه لهذه المصالح بتشريع الكفارة وتيسير الخروج من مضايق الايمان ـ عن اتخاذ الايمان ديدنا لنا، وأن نفتحم حماها مجترئين عليها فقال جل شأنه في هذه السورة "و احفظوا أيمانكم". وقال فس
سورة البقرة "و لا تجعلوا الله عرضَة لايمانكم".
و حفظ الايمان يقتضي منا ألا نبذلها إلا حيث تكون الحال تقتضيها اقتضاء شديدا كأن توجه إلينا اليمين في حق، أو في دفع باطل أو نحو ذلك، فإن الايمان الشرعية في الإسلام إنما تكون بالله عزوجل، فإذا قال القائل: أقسم بالله فهي كلمة خطيرة لا يجوز له الاقدام عليها إلا إذا كان واثقاً مما سيأتي بعدها، جازما بأنه يقرر الحقيقة في إجمالها أو تفصيلها، وأنه لا يخفى غير ما يظهر، ولا يتلاعب بألفاظه، ولا يتخذ منها دريئة له، وإذا تصور المؤمن عظمة الله وجلاله وإحاطته بكل شيء من أحواله ومقاصده وأقواله، فإنه لا يتجرأ على اقتحام هذا الحمى إلا