/ صفحه 244/
أو في توفير أسباب قوتها ومنعتها، ومثله كمثل المريض الذي توصف له الحمية عن بعض ما يحل له وهو صحيح، فليس ذلك مما نحن فيه، وقد عرفنا في حياتنا الحاضرة أُمماً توقف صلاحها على هذه الخطة فقام أفرادها بتنفيذها وتطبيقها على أنفسهم وأهليهم ومناهجهم في الحياة حتى كان شعبها كله كأنه فرق متضامنة متعاونة في جيش واحد له خطة واحدة، وهدف واحد.
و هذان أيضا مقامان مختلفان شتان ما بينهما.
أما الأمم المترفة التي ضربها الله للناس مثلا، وأنبأ أن ترفها كان سبب هلاكها وفنائها وعذاب الله الذي حق عليها، فإنما هي الأمم التي انغمست في النعيم انغماساً كلياً، ولم ترع جانب الروح، فهي الأمم المادية التي لم تقف ماديتها عند حد، أمم الشهوات والفناء فيها، والانحلال بها، والإسلام ليست دعوته إلى المادية دعوة إلى الاباحية والاسراف والخروج عن الحد، ولكنه يدعو إلى التوسط بين مطالب الجسم ومطالب الروح "و كان بين ذلك قواما".
* * *
أحكام الحلف ومناسبة ذكرها في هذا الموضع:
اتصل بهذا النداء الإلهي الذي وضع للمؤمنين أساس معرفة حق الفطرة، والنزول على مقتضياته ـ اتصل بهذا النداء بيان لاحكام الايمان التي يحلفها الناس ويلزمون أنفسهم بها أمورا في حياتهم، وهو اتصال مناسب من جهة المعنى، فإن الذين نهوا عن تحريم ما أحل الله، وأمروا بتناول ما أباحه من الطعام، كانو قد التزموا ذلك، وكان لبعضهم ايمان على التزامه، وقد ورد في بعض الروايات وهي ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت "يأيها الذين آمنوا لا تُحرموا طيبات ما أحل الله لكم" في القوم الذين كانوا حرموا النساء واللحم على أنفسهم; قالوا يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفناها عليها، فأنزل الله تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم".
فلذلك الارتباط بين تحريم الناس على أنفسهم ما أحله الله لهم، وبيان أسلوب