/ صفحه 243/
قد يتساءلون عن ذلك، ويذكرون فيه آيات من الكتاب الكريم من مثل قوله تعالى: "أمرنا مترفيها". "إلا قال متروفوها إنا بما أرسلتم به كافرون" "ارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم"."إنهم كانوا قبل ذلك مترفين".
إلى غير ذلك.
الجواب عن هذه الشبهه:
الولاة قادة وقدوة. الأمم تدعي إلى التقشف في بعض ظروفها كعلاج وأستعداد. القرآن إنما حمل على المسرفين في ترفهم:
و الجواب عن هذه الاسئلة سهل، فأما أخبار الولاة الصالحين والائمة الراشدين الذين كانوا يأخدون أنفسهم بالتقشف، فإنما كان ذلك منهم مشاركة لاوساط الناس، وقدوة للفقراء وذوى الحاجة من الأُمة، وإن من حسن الساسية، ومما يجلب محبة الرعية وطاعتها أن يكون الراعي زاهداً غير متكالب على المتاع، ولا متناول منه من مايعجز عنه الاوساط
من رعيته، وهؤلاء كانوا قادة للامة يأخذون من أموالها ما يكفل لهم معاشهم، ويغنيهم عن الصفق في االسواق، فكان لهم من بيت المال مثل ما لغيرهم من أمثالهم لا يزيدون ولا ينقصون، ولم يكن لكثير منهم مال خاص يمكنه من الانفاق عن سعة، والله سبحانه وتعالى يقول: "لينفق ذو سعة من سعته، ومن قد رعليه رزقه فلينفق مما آتاه الله" هذا ولم يرو عن أحد منهم أنه ترهب أو اعتزل الحياة، أو جانب النساء، فكل ما في الأمر هوالفرار من زهرة المال والترف الذي من شأنه ألا يصل إليه حميع أفراد الرعية، وأن يحملهم على التطلع والتساؤل والمطالبة بمثله فهذا مقام آخر غير مقام الحرمان والتبتل والخروج من حياة العمل والجد بالانقطاع عن الدنيا، وتحريم ما أحل الله قولا أو فعلا، وشتان بين المقامين.
وأما أمر الأمم وما قد تدعو إليه ظروفها من ملابسة بعض المشاق، وترك بعض المتاع، والتخلي عن بعض ما أحل الله من الطيبات، فهذا من قبيل العلاج الذي تحتاج إليه الأُمة في بعض الاحيان، ويترتب عليه صلاح أمرها في بقائها