/ صفحه 242/
يلجأ إليها العاجزون، ويفر إليها الهاربون من الكفاح، ولا يحفظه الآن إلا ما رصد عليه في قديم الزمان من الاموال والثمرات، وما أشبه بالتكايا التي كان ينقطع فيها فريق من المسلمين ساروا وراء من كانوا قبلهم شبراً بشبر، وذراعا بذراع، حتى دخلوا هذه الخرائب التى لاتصلح إنسانا في مادته ولا في روحه، وإنما هي مغاور وكهوف للإنسان المستأنس، وقبور للأحياء الاموات.
و هكذا كان المسلمون في أولهم دعاة عمل وسعى وجد ونشاط، فسار المسيحيون وراءهم وأخذوا في العمليات بأصولهم وقواعدهم، وكان المسلمون في آخرهم أهل تقليد واقتباس من الذين كانوا من قبل يوجهونهم ويقودونهم إلى الصلاح والحياة الصحيحة.
* * *
شبه لدعاة التزهد والتقشف:
سير الصالحين والراشدين. أثر الترف في إفساد الأمم. حملة القرآن على أهل الترف.
قد يتساءل بعض الناس في هذا المقام عما ورد في تاريخ من أخبار الولاة الصالحين، والائمة الراشدين الذين كان شعارهم الزهد والتقشف ومشاركة الرعية في لاوائها وبأسائها وضرائها; وبالتالى يتساءءلون عما عسى أن يدعو إليه قادة الأمم وموجهوها في كثير من الظروف من دعوة التقشف والتخلف واتجاه أفراد الأُمة ولو كانوا من أغنيائها وقادريها إلى التخلي عن مظاهر الترف وكثير من المباحات والطيبات، حتى تستغني بما لديها ولا تقع تحت ضغط أعدائها والمتربصين بها.
قد يتساءل عن ذلك بعض الناس، وقد يذكرون أن الأمم المترفة الناعمة التي ركنت إلى بُلهنية العيش، واستلانت متاع الحياة، قد استرخت وأصيبت بالضعف والكسل، وكلت عن مكابدة الصعاب والمشاق حتى استولي عليها أعداؤها، أو أدركها الهزال فعاشت عيشة لا خير فيها، ولا سمو ولا كمال.