/ صفحه 241/
يتحقق بها الاعتدال وعدم الاسراف في اتباع الشهوات، وعبادة المادة، والاشتغال بها إلى درجة الفناء فيها، وبهذا كانت الأُمة الإسلامية أمة وسطا، وصلحت لان تكون شهيدة على الناس. أي أن تكون مقاييسها هي المقاييس الصحيحة، وسنتها هي السنن القويمة، وذلك أن الأمم إذا صلحت واستقامت واعتدلت كانت نموذجا لغيرها من الأمم في أفعالها وأقوالها، ومايعد صلاحا وما يعد فساداً، واليوم، وقد تأثر الناس بالقوة والمال والعزة ولامنعة، أصبحت الدول الغربية سواء في أوربا أو في أمريكا هي الدول التي يحتكم إليها في المقاييس والصلاح والفساد، والعدل والظلم، فكأنهم هم الشهداء على الناس، وما ذلك إلا بأن المسلمين تنحوا عن مركزهم العالمي الذي بوأهم إياه دينهم في سالف الزمان.
و لقد كان لهذا الاصل الإسلامي فضل على الانسانية عظيم، لانه لفتها عما أراد أن يجره إليها أهل الرهبانية والانقطاع، وسلك بها سبيل العمل والنشاط والسعي الدائب لعمارة الكون، وكشف ما أودعه الله من أسرار في ا لارض والجو و
والمساء.
و لو أن الإسلام صادم العرب بتقرير ميله إلى الرهينة والتزهد وطلب إليهم أن يأخذوا أنفسهم بالحرمان والتعذيب وتحريم الطيبات، لما استطاع أن يمد رواقه على العالم، ولكان قصاراه أن يربي من هؤلاء العرب جماعة بخيم عليها الكسل، ويعوقها الضعف والتراخي عن كل عمل،
جماعة لا تنفع بهم الانسانية في قليل ولا كثير، ولم يكن يطول بهم الزمن حتى ينقرضوا ويبيدوا ويصبحوا أثراً بعد عين، وخبراً يذكر في القصص وما يتسلى به الناس.
ففضل الإسلام اذن بهذا الاصل عظيم، فقد عرس في العالم غراسه، واقتلع ما كان قد نبت في الناس من بذور الرهبانية والتخلي، ومن هنا تخلت المسيحبة عن ميراثهاالذي كان ثقلا عليها، وآصاراً وأغلالا في أعناقها، فخرجوا بأنفسهم يبتغون الحياة، ولم يبق فيهم إلا هذا النوع المعروف بالاديرة، وهو أشبه بملاجيء