/ صفحه 239/
حرمان النفس من الطيبات بقصد
تهذبيها استظهار وتزيد على الله:
و في ذلك إشارة إلى معنى رفيع، هو أن التقوى والخشية في واقعها الصحيح تستدعيان الاخلاص في تنفيذ ما أمر به الله أو نهي عنه، وأن إضافة شيء إلى ذلك تحقيقاً لهوى نفس ـ ولوكان هوى في مظهر دينى أوزهداً في متاع ابتغاء رضوان الله ـ إنما هو تزيد غير مقبول، وخروج على سنة المشرّع، وكأنه استظهار على الله جل علاه، لان فاعل ذلك كأنه يقول لربه: لقد شرعت لي التمتع بالحلال، والا كل من الطيبات، وتناول ما تقتضيه بشربتي، وما يصلح عليه جسمي، وتقوى به نفسي، ولكني لا أرى ذلك كافياً ياربي، فأطلب ما هو فوقه زيادة في ا بتغاء رضوانك، فأجوع، و
ـــــــــــ
1- الغدوة المرة من الغدو، وهو سير أول النهار، نقيض الروحة التي هي المرة من الرواح.
أعرى، وأتبتل، وأنقطعء... الخ، ولا شك أن هذا اعتداء وخروج على سنة الشريعه، ولذلك عد الأمر في قوله تعالى: "و كلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا" للوجوب لا للإباحة، إذ هوتصريح بأن النهي الوارد في الآية السابقة "لاتحرموا بالطيبات فعلا، والخروج عملا من مظهر الممتنع عنها بالتزام، وإيثار للحرمان.
و مما يساعد على فهم هذا ما ذيلت به الآية من قوله تعالى: "و اتقوالله الذي أنتم به مؤمنون" وفي ذلك يقول العلامة الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان: "هذا استدعاء إلى التقوى بألطف الوجوه، وتقديره: أيها المؤمنون بالله لا تضيعوا إيمانكم بالتقصير في ا لتقوى" فتكون عليكم الحسرة العظمى واتقو في تحريم ما أحل الله لكم، وفي جميع معاصيه من به تؤمنون وهو الله تعالى، وفي هاتين الايتين دلالة على كراهة التخلى والتفرد والتوحش والخروج عما عليه الجمهور في التأهل وطلب الولد، وعمارة الارض، وقد روى أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يأكل الدجاج والفالوذج، وكان يعجبه الحلواء والعسل، وقال: إن المؤمن حلو يحب الحلاوة، وقال: إن في بطن المؤمن زاوية لا يملؤها إلا الحلوا. وروى أن الحسن كان يأكل الفالوذج، فدخل عليه فرقد السبخي، فقال: يا فرقد ما تقول