/ صفحه 238/
فقالوا: وأين نحن من النبي صل الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر! قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا اعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لاخشاكم الله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وخرج الامام أحمد في مسنده عن أبي أمامة الباهلى رضى الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في سرية من سراياه، قال: فمر رجل بغار فيه شيء من الماء فحدث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار فيقوته ما كان فيه من ماء، ويصيب ما حوله من البقل، ويتخلي من الدنيا، قال: لو أني أتيت إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)فذكرت له ذلك، فإن
أذن لي فعلت، وإلا لم أفعل; فأتاه فقال: يا نبي الله إني مررت بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل، فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلي من الدنيا. قال: فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إني لم أبعث باليهودية ولا النصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة، والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاة ستين سنة"(1)
وهناك روايات كثيرة غير هذه.
إعطاء النفس حقها المشروع لا ينافي تقوى الله:
و يؤخذ مما روينا أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)أرشد الرهط الثلاثة إلى أن نهيه عن التبتل والانقطاع، وأمره بتوفية النفس حقها من حظوظ الحياة في اعتدال وما شرحه من سنته في المداولة بين ذلك وبين العبادات ـ كل ذلك لا يتنافى مع التقوى والخشية من الله، فإنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)أتقاهم وأخشاهم، ومع ذلك لا يفعل ما يعفلون ولا يرضي به سنة لامته.